1-
سلب الحقيقة
-1-
"هناك
دائما 3 رويات للحدث.. الرواية الحية وهى ما شاهده وعاشه شهود العيان.. والرواية
الشائعة وهى ما سمعه وتناقله الناس بمفرداتهم الشخصية.. وهناك الرواية الرسمية..
ما يبقى فى ذهن الناس هو الرواية الرسمية لأنها رواية السلطة"..
-
فى اوائل الثمانينيات اشتعلت فتنة طائفية بين مسلمين ومسيحيين بأحدى
الاحياء الشعبية بعاصمة احدى الدول العربية.. وكان عدد القتلى المسيحيين فى ازدياد
مستمر حتى صاروا بالعشرات وكان الامر بالاساس خلاف على قطعة أرض.. واستمرت الفتنة
مشتعلة لمدة 4 ايام متواصلة.. كان الوضع صعبا وعدد القتلى فى ازدياد والتليفونات
الارضية لا تتوقف عن الرنين.. تم استدعاء النائب العام لمباشرة التحقيق.. الطرفين
مسلحين كعادة تلك المناطق الشعبية.. اطفال ينقلون الاخبار من شارع الى شارع..
اهالى يغادرون الحى خوفا على حياتهم الى اقارب لهم فى مناطق اخرى محملين بروايات
العنف والموت.. ميكروفونات الجوامع لا تتوقف عن مناشدة الناس بضبط النفس.. الشرطة
لا تستطيع التدخل والوضع فى انهيار تام.. قرار بمنع النشر حتى الانتهاء من
التحقيقات.. امتلأت المستشفيات بالقتلى والمصابين.. حصار امنى للمنطقة مدة 3
ايام.. النتيجة النهائية وما تبقى بحسب خطاب رسمى للسلطة: غسيل منشور ببلكونة احدى
المواطنين نزل ميه على غسيل بلكونة مواطن اخر والظاهر ان الميه مكنتش ولابد..
-
فى القرون الوسطى، ظهرت جماعة تطلق على نفسها "
المزيفون".. نشأت الفكرة فى رأس احدى الايطاليين المثقفين وكانت تهدف بكل
بساطة الى "حرق التاريخ".. كما قالوا. الفكرة بكل بساطة هى كتابة تاريخ
مؤلف ومزيف على شكل وثائق ودفنها فى المناطق التى يسهل اكتشافها.. كان على كل فرد
فى تلك الجماعة المنتشرة بأنحاء اوروبا بعد ان ينتهى من قراءة أى كتاب ان يقوم
بأعادة كتابة بعض المقاطع التى قرأها بالطريقة التى تروق له ودفنها فى مكان ما،
بوضعها فى زجاجة يلقيها فى البحر، او ان يستبدل النص الاصلى بالنص الذى كتبه فى
الكتاب ويضع النص الاصلى المنزوع مع بضع اوراق اخرى فى لفافة يدفنها فيظهر ان النص
المدفون هو المزور والنص المزيف الموجود فى الكتاب هو الاصلى!!.. كانت الفكرة
بسيطة وكانوا يعلمون كما قال مؤسس تلك الجماعة ان ثمرة تلك الافعال لن تظهر الان!!
لكن بعد سنوات وربما قرون.. كان المؤسس قد استوحى الفكرة من حركة التاريخ..
فالأقدمون قد كتبوا وضاعت كثير من الكتابات ثم وجدها بعد قرون المنقبون عن الاثار
والكتب والمحققون لها.. فمن يؤكد لنا ان ما نقرأه هو فعلا ما كتبه المؤلف؟.. واذا
ظهرت مخطوطات او اثار جديدة تختلف عن المكتوب من منها الاصيل ومن منها المدسوس؟..
ولان المؤسس قد راقت له الفكرة فقد كرر ان الحيرة الحاضرة لابد ان يعانى منها ايضا
الناس فى المستقبل!!.. لم يكن بالطبع قد ظهر الكربون المشع وتحقيق المخطوطات وعلوم
اللغة والتاريخ كما نعرفه الان فى القرن ال21 .. وامعانا فى التضليل والتلفيق..
كُتبت اكثر من ورقة تُكذب ان هناك جماعة بهذا الاسم وتنفى ان هناك تزوير وتزييف
حدث، ثم عدة اوراق اخرى دُفنت ورميت فى البحر تحكى عن وجود جماعة تسمى
"المزيفون" فعلت كما شُرح سالفا، وهكذا اوراق تكذب اوراق، وكلها تركت
للمستقبل ليجدها، من ضمن تلك الاوراق اسماء اعضاء الجماعة وهى تضم فلاسفة وسياسيين
وكرادلة منتشرين بأنحاء اوروبا، واخرى تنفى كالعادة.. اما ما تبقى فى الذهن
الحاضر: لم يسمع احد بالطبع عن تلك الجماعة.. واهملت تلك الروايات تماما.. ولكن
الفكرة بقت.
-
فى اثناء احدى الحروب بين دولتين.. رفض اثنين من الشباب
التجنيد فى صفوف الجيش واعلنوا انهما ضد الحرب و لا يريدان ان يَقتلا او يُقتلا
بلا سبب فى حرب لا يرغبان فيها.. ولأن شيمة اهل القرية النخوة فقد اعلنوا غضبهم
على الشابين وخرجوا يطالبون بأعدامهم ولأن السلطة فى حالة حرب لم تهتم واكتفت
بطلبهم مرة اخرى الى الجندية.. خرج الغاضبون وقد اخذتهم الحمية وربطوا الشابين
باحدى الاشجار واطلق عليهم النار للتخلص منهم.. لم يعجب ما حدث بالطبع القيادة
العسكرية للبلاد، فأمرت باحضار العشرة المشاركين بقتل الشابين وامرت باعدامهم لأن
قتل الشابين بحسب اوراق التحقيق هو حق اصيل للسلطة، وهو ما فعلته الحكومة بعد
اصدار القرار من محكمة عسكرية اذ تحولت القضية ليس الى القضاء الطبيعى بل العسكرى
لأنه أعُتبر ان الشابين عسكريين وهو ما يعنى الاعتداء على عسكريين!!.. وامعانا فى إذلال
هذه القرية، تم تسريح باقى المجندين منها من الجيش وارجعاهم الى القرية محرومين من
الخدمة العسكرية وشرف الجندية!!!!!.. ولأن الغضب قد عم القرية باكملها وسار سخط
عظيم بين سكانها فقد قامت القيادة العسكرية تاديبا لها بضربها بالطيران باكملها..
الرواية الرسمية: ... (لا يوجد رواية رسمية – حالة حرب: قامت قوات العدو ب... )..
-
كمبوديا – تحت حكم الخمير الحمر – 1975 – النظارات
القاتلة
جميع
الحقوق المدنية والسياسية الغيت. اُخذ الاطفال من عائلاتهم وتم الزج بهم فى
معسكرات العمل الاجبارى. أغلقت المصانع والمدارس والجامعات. تم قتل اصحاب المهن
كالمحامين والاطباء والمهندسين والعلماء وعائلاتهم معهم. تم منع الدين وقتل كل
الرهبان البوذيين وحرق معابدهم. تم منع الموسيقى والراديو.. حتى المثقفين تم
التخلص منهم وأى شخص تبدو عليه علامات الثقافة او المعرفة كأرتداء نظارة او حمل
صحيفة او معرفة لغة اجنبية قُتل. منع الاختلاط العائلى وتم التفريق بين الرجال
والنساء وتم تخصيص وقت محدد ليتقابل المتزوجين وكانت اللقاءات جماعية اذ منعت
الخصوصية!!!.. حتى اللغة سعى الخمير الحمر الى تغييرها..
-
فى نهاية الستينييات، افتى احد شيوخ المذاهب الشهيرة
بثبوت الارض ودوران الشمس وتكفير من يخالف ذلك!!.. ولأن الفتوى قد واكبت نزول
الانسان على سطح القمر فان كثيرين لم يسكتوا على هذه الفتوى.. فجاءت الرواية
الرسمية تعلن: "أما
دورانها فقد أنكرته وبيَّنتُ الأدلة على بطلانه ، ولكني لم أكفِّر من قال به ،
وإنما كفَّرتُ من قال إن الشمس ثابتة غير جارية ؛ لأن هذا القول مصادم لصريح النصوص
الدالَّة على أن الشمس والقمر يجريان" .. ولأن الرواية الرسمية لم تعجب احدا
ففيها تاكيد للفتوى وإنكار مجرد التكفير فأتى الرد ليسكت الالسنة ويغلق الافواه
وهى الرواية الاكثر رسمية!!: "وكذلك نفى العلامة أ.ع. دوران الأرض ولم يكفر من قال به كما في فتاواه. والسبب في عدم قولهم
بدوران الأرض هو عدم صحة الدليل النقلي عندهما في ذلك بالإضافة إلى ظنهم أن إثبات
دوران الأرض مجرد نظريات قابلة للنقض. ولا شك أن دوران الأرض حول نفسها ثم حول
المجموعة الشمسية بأكملها حول المجرة أصبح حقيقة علمية ثابتة. واعلم أنه ليس من شرط
العالم أن لا يخطئ والكمال عزيز فلا نغلوا فيهما وندعي لهما العصمة، وكل يؤخذ من
قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل مجتهد مأجور: إذا
حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر"..
(هناك شىء ما
غير مفهوم بين المؤسسات الدينية ودوران الارض!!.. فى اليهودية مثلا تم تكفير من
نادى بدوران الارض وثبوت الشمس فى بداياتها لأنها مخالفة لتفسير النصوص، وفى
المسيحيية لم يسلم جالليليو من فعل مماثل)..
-2-
"ملحوظة: 5% من اجمالى عدد السكان فى العالم
يستهلكون 25% من موارد الارض.. أى ان ذلك نموذج غير قابل للتكرار بطبيعة الارقام"..
-
الليبرالية
فلسفة اجتماعية تعود الى نهاية القرن الثامن عشر، وقد اشتهرت مدرسة الليبرالية
الاقتصادية فى اوروبا عندما نشر آدم سميث الاقتصادى الاسكتلدنى كتابه "ثروة
الامم" عام 1776، والذى نادى فيه بأنهاء التدخل الحكومى فى الشئون الاقتصادية
والغاء القيود على الصناعة والحواجز على التجارة والجمارك، ورأى ان التجارة الحرة
افضل طريقة لتطور الاقتصاد.. سادت الليبرالية الاقتصادية فى امريكا خلال القرنين
ال19 وال20، وحقق الرأسماليون مكاسب كبيرة على حساب الفقراء، حتى عرّف البعض
الليبرالية على انها حرية الاغنياء فى جنى الارباح كيفما يشتهون..
استمرت الليبرالية حتى الكساد الكبير
فى الثلاثينات، حين ظهرت نظرية الاقتصادى جون مينارد كينز الذى رأى ان زيادة
التوظيف ضرورة لنمو الرأسمالية،لذا دعا الى تدخل الحكومات والبنوك المركزية لزيادة
التوظيف. كانت العادة فى كثير من بلدان العالم هى ان التعليم والخدمات الصحية
يقدمان لمعظم السكان بالمجان، وان توفير العمل التزام على الحكومات، وان المعاشات
حق لكل العاملين عند سن معين، وان الخدمات العامة مجانية ومتوفرة، وان كثير من
السلع والخدمات مدعومة، وان الاجور كافية، لكن الازمة الاقتصادية فى التسعينيات
دفعت كبرى الشركات العالمية لأحياء الليبرالية الاقتصادية، وسمتها الليبرالية
الجديدة، التى نادت بدعم الاغنياء، وتقليل الضرائب على ارباحهم، والسماح لهم
بتقليل العمالة اذا اقتضت الظروف، وتشغيل العمال فترات اطول بأجور زهيدة، وغيرها من
السياسات، ومع تنامى عولمة الاقتصاد الرأسمالى نرى اليوم الليبرالية الجديدة على
مستوى العالم..
من اهم سمات الليبرالية الجديدة
رغبتها فى اتساع السوق عن طريق زيادة الصفقات والعمليات التجارية، فالهدف الاسمى
لها هو عالم يكون فيه أى فعل لكل انسان عبارة عن صفقة فى السوق تتم فى مناخ المنافسة
مع اى انسان اخر وتؤثر فى كل صفقة اخرى.. لقد
اكتسب النموذج الاقتصادى الحالى شعبية دولية فى عام 1980، حين تبنى الرئيس
الامريكى الاسبق رونالد ريجان، بالاضافة الى العديد من زعماء العالم، النظريات
التى دعا اليها الخبير الاقتصادى ميلتون فريدمان، حيث دعت تلك النظريات الى ثلاث
مبادىء اساسية:
اولا: المسئولية الوحيدة للمشروعات هى تحقيق اكبر قدر من الارباح، بغض النظر عن
ايه خسائر اجتماعية او بيئية!!.. ثانيا: لا ينبغى ان تخضع المشروعات الى عملية
تنظيمية لأن القوانين تتعارض مع تحقيق الارباح!!.. ثالثا: ينبغة ان تخضع جميع
المشروعات لأداراة القطاع الخاص ( ترى الليبرالية الجديدة العالم كسوق كبير، وتمثل
فيه الدول شركات، ويمكن ان تتنافس شركة عالمية مح حكومة احدى الدول على مشروع
ما)..
-
على خبر عن المجموعة الاقتصادية الدولية يقول: "ينبغى علينا دفع عجلة
الاقتصاد العالمى للمزيد من النمو والتطور والتوسع".. كتب احد المعلقين على
الخبر التالى: " هناك شىء ما خطأ
برأس هؤلاء الاقتصاديين.. وينبغى علينا الا نتركهم يستمرون فى عملهم كثيرا.. كيف
نأتمن "بعض البلهاء" على حياتنا اليومية؟.. كيف يمكن ان ندفع عجلة
الاقتصاد العالمى لمزيد من التوسع؟.. هل سنتكاثر ذاتيا فتزداد القوة الشرائية؟..
هل سنشترى اشياء لا نحتاجها ونخزنها؟ واين سنترك اشياءنا القديمة؟.. ثم كلما توسعت
كلما قل عدد القادرين على الشراء، فالاموال تصب فى أيديهم فى النهاية ونحن نزداد
ضعفا.. ام المقصود بالتوسع ودفع عجلة الاقتصاد هو الاستعداد للتصدير للكواكب
الاخرى التى يبحثون فيها عن اخرين؟.. لا ينبغى لنا ان نترك هؤلاء الحمقى يقررون
بعد ذلك الا لو كانت قراراتهم تخص تنمية الاقتصاد للكواكب الاخرى وهم احرار فى ذلك
مع رؤساء تلك الكواكب"..