أفترض أن إنتاج الخطاب في كل مجتمع٬هو في نفس الوقت إنتاج مراقب ٬ومنتقى ومنظم ومعاد توزيعه من خلال عدد من الإجراءات التي يكون دورها الحد من سلطاته ومخاطره٬التحكم في حدوثه المحتمل وإخفاء ماديته الثقيلة والرهيبة .إننا نعرف طبعا٬ في مجتمع كمجتمعنا٬ إجراءات الاستبعاد. وأكثر هذه الإجراءات بداهة٬ وأكثرها تداولا كذلك هي المنع٬ إننا نعرف جيدا أنه ليس لدينا الحق في أن نقول كل شيء٬ وأننا لا يمكن أن نتحدث عن كل شيء في كل ظرف٬ونعرف أخيرا ألا أحد يمكنه أن يتحدث عن أي شيء كان.هناك الموضوع الذي لا يجوز الحديث عنه ٬وهناك الطقوس الخاصة بكل ظرف٬ وحق الامتياز أو الخصوصية الممنوح للذات المتحدثة :تلك هي لعبة الأنواع الثلاثة من إجراءات المنع التي تتقاطع وتتعاضد أو يعوض بعضها البعض مشكلة سياجا معقدا يتعدل باستمرار٬أشير فقط إلى أن المناطق التي أحكم السياج حولها وتتضاعف حولها الخانات السوداء في أيامنا هذه هي مناطق الجنس والسياسة : وكأن الخطاب بدل أن يكون هذا العنصر الشفاف أو المحايد الذي يجرد فيه الجنس من سلاحه وتكتسب فيه السياسة طابعا سلميا٬ هو أحد المواقع التي تمارس فيها هذه المناطق بعض سلطتها الرهيبة بشكل أفضل. يبدو أن الخطاب في ظاهره شيء بسيط ٬لكن أشكال المنع التي تلحقه تكشف باكرا وبسرعة عن ارتباطه بالرغبة وبالسلطة. وما المستغرب في ذلك مادام الخطاب –وقد أوضح لنا التحليل النفسي ذلك – ليس فقط هو ما يظهر (أو يخفي الرغبة)٬لكنه أيضا هو موضوع الرغبة٬ ومادام الخطاب – والتاريخ مافتئ يعلمنا ذلك – ليس فقط هو ما يترجم الصراعات أو أنظمة السيطرة٬ لكنه هو ما نصارع من أجله وما نصارع به وهو السلطة التي نحاول الاستيلاء عليها.
ميشيل فوكو. نظام الخطاب .
1 comment:
هايل يا عباس
Post a Comment