Thursday, July 29, 2010

عينة

اوقف السائق السيارة امام تلك المساحة المنبسطة من الحشيش الأخضر الملىء بشواهد القبور المكتوب عليها حفراً و باللون الأسود اسماء الراقدين و تواريخ ميلادهم ويوم وفاتهم. وامام تلك الشواهد نُثرت الاف من باقات الورد البنفسجى اللون. نزل السائق من السيارة وفتح بابها الخلفى. خرج منه رجل عجوز ستينى، ملامح الأرهاق والتعب بادية عليه، تصارعها إمارات الحزن. غلبته دمعة عندما لمح من بعيد الجمع وسمع اصوات البكاء والنحيب، مسحها سريعاً بمنديله المعطر و اخفى عينيه الدامعتين بنظارة شمسية سوداء و مد الخطى.

تأخر هو و لم يلحق الجنازة من بدايتها.. كان يشعر بالتعب والأرهاق، زاده اليوم حرقان بالبول فى الصباح. اتصل على اثره بالطبيب المعالج الذى اعطاه موعد قرب منتصف النهار، اى بعد الأنتهاء من الجنازة لحسن الحظ !!، فأسرع اليها.
وصل الى شاهد القبر بعد ان انتهت الصلاة. على المنصة الزوج يلقى على الجمع الباكى كلمات التأبين:" كانت تكتب كل يوم على السبورة الموضوعة على الثلاجة كلمة جديدة بيدها المرتعشة لبنتنا حتى تتعلمها، كانت امرأة مليئة بالأمل والصبر والقدوة والرغبة فى تحقيق ما فاتها. لم يقعدها المرض ولم يهزمها اليأس ولم تترك موقعها ابداً رغم ما عانته من الام شديدة قاسية، كان تتحمل الألم فى صمت وهدوء حتى تبعد الحزن عن ابنتنا هو كل ما يهمها، كانت تذهب الى المدرسة تعلم و تتعلم ، لم تيأس ابداً و كانت تثق فى أن الله هو الشافى و ان من سمح بالمرض سيسمح بعلاجه، و لكنه كاللعين انتشر فى جسدها الطاهر ولم يترك لها فرصة للنجاة، كانت قوته امام رغبتها فى الحياة ، كانت شدته امام تمسكها بإيمانها و بأن الشفاء قريب.. كانت قسوته امام حبها، فلم يتحمل الجسد الضعيف المعركة و انهار تماماً".. يبكى الزوج فيثير عاصفة من الحزن والبكاء بين المستمعين، يربت على كتفه الكاهن مشجعاً حتى يتمالك نفسه و بكلمات مخنوقة و عينين دامعتين يكمل الزوج " لا لا أصدق انها فارقتنى، لم اتعلم الحب والأمل والحياة الا على يديها " .. يرفع صورة زوجته و يقبلها فينفجر الجمع مجدداً بالبكاء الحاد... و بعد لحظة صمت طويلة.. يكمل الكاهن "ان الزوجة فى عز عذابها وتعبها الجسدى ارادت ان تشاركم كما تعودنا منها المشاركة، ارادت بعد موتها ان تطلقوها حتى تظل روحا حية فينا كلنا، ارادت ان نتذكرها – تلك التى لا تنسانا- وتظل ساكنة فى قلوبنا، موجودة امام اعيننا، كائنة فى حياتنا"... " لذا فقد طلبت ان يتم حرق جسدها و جمع رمادها ووضعه فى عبوات بلاستيكية صغيرة توزع علينا جميعاً حتى لا ننساها او تنسانا حتى تظل روحها حاضرة امامنا "..
نزل شابان صغيران، يحمل كل منهما صينية فضية صغيرة موضوع عليها عبوات بلاستيكية مليئة بالرماد الخاص بالزوجة، و على الغطاء صورة صغيرة لها تبتسم بها وترفع يديها مودعة بالسلام.

"ساخبرك يا حبيبتى ما تختلفين به عن جميع النساء، كل مرة كنت تسئليننى فأهرب من السؤال، الأن و روحك ترانا، سأخبرك".."انى قد ارتويت من الحب على يديك"..

انتهى الصبيان من المرور وتوزيع كل العبوات على الحاضرين، اخذ الرجل العجوز علبته وحملها فى يده ، نظر الى الصورة فأدمعت عيناه من خلف نظارته وتمتم بكلمات مبهمة. انهى الكاهن صلاته واصطف الزوج والأب والأم بجوار المنصة يتلقوا العزاء فى محبوبتهم، ساد الصمت الا من انفاس الحضور وشهقاتهم وتفجعاتهم وتمتاتهم، تكررت كلمات العزاء رتيبة مملة " البقية فى حياتكم". انتهى العزاء مع رحيل اخر معزى. انتقل الجميع الى سياراتهم.

ركب العجوز السيارة وانطلق السائق بها. هبطت الذكريات المشتركة بينه وبينها على عقله وتمر امامه كشريط من الأحداث المتلاحقة. خلع نظارته الشمسية فبدت عيونه المغرورقة بالدموع وتساقطت ببطء على وجنتيه امسك العلبة وقبل الصورة ووضعها بعناية فى جيبه. اهتز محموله فأخرجه من جيبه، وجد المنبه يذكره بموعد الدكتور. تذكر اوامر الطبيب، وعند المرور بجوار اول شجرة فى بداية الساحة المجاورة للمدافن امر السائق بالوقوف و الأنتظار قليلاً. اخبره الطبيب صباحاً، فى الهاتف، الا ينسى ان يحضر معه عينة من البول حتى يمكن تحليلها لتشخيص وتحديد المرض. فتش العجوز جيوبه، وأخرج منها العبوة البلاستيكية، نظر الى صورة الزوجة على الغلاف و تمتم: to love someone is to let'm free . فتح العبوة و القى بالرماد فتناثر محتواها فى الهواء الذى نثره فى كل الأتجاهات. فتح العجوز بنطلونه و افرغ مثانته فى العبوة البلاستيكية. و بعد ان انتهى، ركب السيارة و أمر السائق بالأنطلاق الى عيادة الطبيب.

Monday, July 12, 2010

تاجر البندقية


-1-

انهم كالمافيا يا عزيزى، فكما تعرف:

They don't even fuckin exist!!.

يعرب الطرابيشى باشا عن قلقه و هو فى ذلك على حق. فأنتشار جماعات العنف المعروفة بأسم " جرين جوريلاز" قد زاد و أصبح لهم وجود ملموس، و قد اعلنوا فى الفيديو الاخير لهم ان معاركهم لم تنتهى و ان أى " امين" سيتم ذكره فى اى قضية تعذيب سيتم خطفه و تعليقه من سرسور ودنه فى ميدان التحرير، كما حدث.

يعلق الطرابيشى باشا ان العنف المقابل لعنف التعذيب فى دولة ارتفع بها سعر رطل اللحوم و انخفض بها سعر سندوشات السجق وانخفضت كمية الحشو، لهو امر مقلق.. هذا العنف المتبادل بين " آل-أمين" و الشعب او جماعات العنف الشعبى لم يعد بالأمر الهين، فخطف " آل-أمين" من الكامبات و تسليم جثثهم الى الطرابيشى باشا فى حفل مهيب كما حفل عروس النيل أصبح امر شبه يومى... وهو ان كان يقول الحق الا انه يذكر نصف الحقيقة فقط، فاذا كان الخطف و التعليق شبه يومى، فذلك لأن التعذيب قد اصبح يومياً..

-2-

عزيزى المواطن: انت لم تعد أمناً.. نعم هى حقيقة لابد لك من استيعابها و تصديقها حيث ان نظرة البلاهة و الأستنكار التى تغطى ملامح وجهك و انت تقرأ هذه الكلمات لها دلالة واحدة من اثنتين اما انك تقرأ من خارج الحدود اما انك من إياهم، و أياك و الكذب.

"لم يعد هناك امان.. هكذا قال الرب.. اطلق عليكم وحوش الصحراء و جوارح السماء و اسماك البحر، حتى مترو الأنفاق لن يفلت من قبضتى و سيخرج عليكم من قضبانه. "

فالغنى اذا ترنح يسنده اصدقاءه، اما المسكين اذا سقط فأصدقائه ينبذونه.

"ثم رأيت وحشاً بخمسة روؤس و عشرة قرون خارجاً من المياه، رجليه رجلى دب و جسمه جسم فيل و رأسه كرأس أسد، واذ بالوحش يصرخ: انا عايز اربعة يكتفونى!!!."

-3-

نعم، عزيزى المواطن: انت لم تعد امناً.

التحولات التى تشهدها منطقة الشرق الاوسط اختلطت بالعولمة فحدثت تلك القطيعة المعرفية الكبرى مع التراث و انقلب الثابت الى متحول. و تجلت فى قلب القدرة على فمها ما تطلعش البنت لأمها. فالحال تغير و بعد أن كان "آل-أمين" فى خدمة الشعب، اصبح "آل-أمين" والشعب فى خدمة الوطن، و احنا عارفين كما قال الوحش: ان أخر خدمة الوطن علقة.

يحكى لنا الشيخ زبير فى الأثر، ان التاجر شيلوك، تاجر البندقية، قد باع البندقية ل"آل-أمين". واخبره ان من سيأخذ البندقية، سيأخذ منه رطل من لحمه.

و هو ما حدث، حيث سربها بعد ذلك الى سائق الاوتوبيس الذى لم يكن يرغب سوى قتل عبد الفتاح فقط، فقتل معه خمسة اخرون. انت لم تعد امناً.. لماذا لا تصدقنى؟

وسائل مواصلاتك، عُرضة اما لاندلاع حريق او خروج من قضبان او حتى سائق مجنون يطلق النار عليك اذا وُجد معكم عبد الفتاح، وأضعف الأيمان ان تتوقف طويلاً فى احدى الأنفاق فى انتظار الفرج.

الشوارع محفوفة بالمخاطر، معاك بطاقة؟ او عشرة جنيه او حتى لفافة بانجو، او كارت شحن، و اذا صرخت استنجدت بالامين او أستخدم كلمة السر فتظهر " الجرين جوريلاز".. لمزيد من الاطمئنان، اذا رغبت، اصرخ " جزر "، تجدهم بجوارك

-4-

فى رواية العتبة جزاز الشهيرة، يخبرنا المثقفون بنفس واحد: السلم نايلو فى نايلو و العتبة جزاز، و اللى يخون بلده و اهله يستاهل الحرق بجاز.

وهو ما علق عليه الدكتور سنجلاب قائلاً:" ده Metaphor يا بهايم، هو فى حد بيتحرق بجاز؟".. ويكمل بلغة علمية دقيقة:

They don't exist out of our minds, idiots.

انها مجرد خيالات شعبوية فانتازاوية مستمدة من التراث المصرى و يتساءل: هل توجد امنا الغولة يا ابن العبيطة؟ هل رأيت بديك ام عينك ابو رجل مسلوخة؟ او بروح امك سمعت قبل كده صوت النداهة و هى بتنده اسمك ؟ انها مجرد خيالات، ولكنها تخيف الاطفال و تترسب فى الذهن فتختلط الامور و تصبح ركيزة أساسية من التكوين الثقافى المستقبلى، فتصبح الطبطبة على الكتف ضرب، و لعبة صَلَح تعذيب، و تأديب الفتيات اغتصاب، و هكذا. لقد انقلب الحال نتيجة العولمة، خذ عندك مثلاً: اقلب القدرة على فمها كده؟... خلاص معدش زى زمان ومش حتطلع البنت لأمها.. قال على رأى المثل: البيت بيت ابونا، و ييجى الشعب يطردونا.

-5-

تقول ام نفادى للطرابيشى باشا: "هاتلى أتر منهم و اتر من الشعب و انا اعملك ليهم عمل ما يخرش الميه. ابعد ده عن ده، يرتاح ده من ده".. وهو ما كان.

فقد اخذ " آل-أمين" الحجاب و انتشروا فى الشوارع، يحاول كل "أمين "منهم التقرب اليك، عملاً بمقولة ضرب الحبيب زى اكل الزبيب، لذا فلا تتعجب اذا "طبطب"احدهم على ظهرك او لعب معك صلح امريكانى، او اخرج لفافة بلاستيكية و حاول حشرها عن طريق الفم، انه الحجاب يا مغفل. حجاب المحبة، يا نجف بنور يا سيد العرسان.

لم تنتهى الحكاية، و مازال الصراع بين الجرين جوريلاز الخطّافين و الطرابيشى باشا لم ينتهى. فالتاجر شيلوك، تاجر البندقية، لم يأخذ ماله حتى الأن وقد أقسم ان من سياخذ البندقية سيأخذ منه رطل من لحمه.. و مازالت تتوالى الأرطال!!...... صح يا مولودى مان؟

Monday, July 05, 2010

مقتطع من تحقيق صحفى

و ننتقل الى حيث يشير البعض .. الى موقع الفيس-بووك. حيث يخبرك ان الفيس-بووك هو المرتع الاكبر للتعارف على البنات و هو فعل متبادل فكما يبحث الولد عن نصفه الاخر، لامانع ايضاً ان تبحث الفتاة عن ولد..

"الفريند-ريكويست بيزعجنى".. هكذا تخبرك احداهم " لا أعرف لماذا يطلب صداقتى شخص لا أعرفه، يرسل لى على الخاص ان وجهى جميل و معبر و هو كرسام وفنان انجذب و بشدة الى عيناى".. يتهكم اخر و يخبرك ان هذا التكنيك خاطىء فقد ولت موضة التعارف بهذه الطريقة " ارسل لها على الخاص بأن تعليقاتها قد جذبتك و بشدة و انك تريد ان تعرف كيف تفكر فتاة بهذا الجمال بهذه الطريقة العبقرية".. " الطريقة الجديدة انك تنجذب الى العقل والتفكير واسلوب الكتابة او حتى الى نوعية الأغانى التى تسمعها".

ما الهدف الرئيسى من وجود 80 مليون مصرى على ارض المحروسة؟

ما ان تقبل صداقتك.. يكمل سين، حتى تبدأ اللعبة الكبرى و هى ان تعبث بصناديقها و خاصة الصور " فلربما تجد صورة بالمايوه او فستان سهرة عارى او شورت".." قم بتنزيل الصور واحتفظ بها واستمتع"

تخبرنا مراكز الأبحاث ان عدد القراء بمصر لا يتجاوز العشرة بالمائة من تعداد مصر اى 8 مليون قارىء !!!.

" الندوات والتجمعات والرحلات التى تنظمها الجروبات هى الملتقى الرئيسى.. ربنا يخلى الجروبات"..

يشير البعض الى ان الجروبات هى محطة صواريخ هيكلية الهدف منها هو جذب اكبر عدد من الجنسين، لتنطلق بعدها الرحلات و من ثم التعارف الحى بين الأولاد و البنات.

تخبرك تاء ان العلم لا يكيل بالبتنجان و الأيديولوجيات الكبرى ما هى الا ستار ووسيلة للتعارف، فمناقشة كتاب لصنع الله ابراهيم لا تزيد اهميته عن لقاء بينها و بين راء التى تود ان تتعرف عليه عن قرب. يضحك راء عندما اخبره بتلك الكلمات و يجيبنى "بأن الكون كله يتجه نحو الأخر.. و لا انت ضد الأخر".. يكمل جيم و يضيف "ان العالم كله يبحث عن نصفه الأخر.. عن الجنس الاخر، فرويد قال كده و لا حضرتك لا تقرأ فرويد"..

هل سمعت عن اغتصاب الكترونى و انتهاك اعراض سيبرى؟ وفاة المفكرين والعلماء والأدباء والشعراء ترك فراغاً كبيراً لابد من ملئه حيث الطبيعة هى تعادلية فى الأساس.. لكل فراغ ملئه الخاص.

ليس المهم العدد بل الكيف.. لكل جروب قمة وقاع.. يخبرك ميم ان اليات الرقابة قد زادت فأنت تستطيع ان تحمى نفسك من المتطفلين بضغطة زر.. و اذا كانت الفتاة تريدك فى المقام الأول فستقبل دعوة صداقتك.. العلاقات الأنسانية مركبة وغامضة.. مخيفة و مريبة.. ومليئة بالمفاجأت " اللى تحسبه موسى يطلع فرعون"

قصص كثيرة نقرأها الأن بالجرائد عن شاب اغتصب فتاة و أفقدها عذريتها عن طريق التواصل بالويب-كام. تضيف واحدة رفضت ذكر اول حرف من اسمها انها تعرضت لحادثة مماثلة و لولا غشاء البكارة الصينى لكانت مأساة. " اضطررت لبيع اللابتوب و حتى الكمبيوتر المنزلى حتى اتخلص من رعب الأغتصاب السيبرى" تضيف اخرى.

تعلق كاف، المتخصصة فى موضوعات الجنس-عاطفية عبر الاثير الألكترونى " ان الشباب اصبح اكثر ثقافة ومعرفة، و الشابات ازددن علماً و لبص البوصة تبقى عروسة و كله فى الكلتش و انت فاهم بقى "

يكتب احدهم مقالة تفسر مقالته السابقة حيث الرواية جزء من تاريخ البشر، والتاريخ هو مجموعة من الروايات يحكيها من انتهوا لتوهم من اغتصاب الأخرين..

يضع ألف كتبه على المنضدة و يجلس على كرسيه المفضل بالمقهى و يخبرك ان كل الصراعات الضخمة و الأفكار و الأيديولوجيات المتصادمة و الفلسفات الكبرى ما هى الا تجسيد لأكبر عملية نكاح عقلى-جماعى يمارسها البشر على بعضهم، فالعقل الباطن مكبوت و كلما زادت عمليات الكبت –كما يخبرنا فرويد – كلما زاد رقى الشعب و تحضره. فالرغبة فى أن تسير مالط فى الشوارع هى اسبق على ان ترتدى منتجات كيلفن كلاين و اديداس..

كلما زادت الرقابة و انتشرت واصبحت سهلة وبسيطة كلما زاد سيطرتها على كل ما تتغلغل فيه. فكما تستطيع ان تختصر شخص فى بروفايل و تمحوه بضغطة زر من كشوف الأصدقاء، تستطيع ايضاً ان تكشف مزيد من الأنفلات. فنسبة الذين انتهكوا على يد الشرطة قبل اختراع كاميرات التليفون المحمول هى نفس النسبة بعد اختراع البلوج و لكن وسائل الرقابة والكشف زادت فأنفضح المستور.. فلو كانت الكاميرات موجودة اثناء حروب الرومان و نقلت قناة الجزيرة على الهواء مباشرة احدى المعارك مع الفرس، لتقيأ المتفرج من كثرة الرقاب التى تقطع و الأحشاء التى تطير. كل هذا و يفجع البعض من ضرب غزة عن بعد بالصواريخ فى حين يفخر البعض الأخر بتاريخ القبائل الجرمانية وقتال البربر!!.

صيحة التحذير التى انطلقت مؤخراً، على شكل جروب، تحذر كل فتاة من ان تنشر صورها على الفيس-بووك او تجلس وحيدة امام الويب-كام دونما صديق، انتهت برحلة الى القناطر الهدف منها ان تتعرف كل فتاة على صديق يحميها و هى تجلس امام الويب-كام كما نصح الجروب..

يمكن حصر الصراع، اذن بين جسد امرأة و جسد رجل حيث يختزل المثقفون هذا الجسد فى الرأس فقط حيث يكمن العقل.. اما العامة فلفرط السذاجة يتركون الأمر سداح مداح فلا يفرقون بين عامة الجسد و بين العقل او الرأس لأن العامة شعبيين طماعيين او كما نعرف " الطبع غالب.. و ديل الكلب عمره ما يتعدل و لو علقوا فيه قالب"

بين كل الأيدولوجيات المتصارعة او المتناكحة كما يحب ان يسميها ألف، خرجت علينا الاف الجروبات منها " لمى المتبعتر يا ناهد " و هو جروب اسسه بعض المحافظين الجدد حيث يقوم الجروب بتوعية البنات بعدم نشر صورهم و يتم استبدالها برقم، و هو ما شجبه جروب الليبراليين المعروف بأسم "اقلعوا الهدوم مالط.. ما احنا عارفين كل حاجة تحتيها" حيث يقول تاء و فاء، مؤسس و مؤسسة الجروب " ان كل شىء انكشفن و بان و كل الناس عارفة كل حاجة, بلاش جهل.. لا حياء فى المالط"، و هو ما ازعج المعتدلين حيث افضى هذا التطرف من الجانبين الى جروبات وسطية منها جروب "خليكى مصاصة مغلفة" و هو جروب يجمع بين المحافظة و الأنفتاح، فلا مانع من أن تكون الفتاة مغلفة و فى نفس الوقت مصاصة !!...

يخبرنا الدكتور زين شين المتخصص فى سفالات الانترنت ان كل شىء فى عصر التكنولوجيا اصبح مباح، من كتابة نص ادبى و متابعة حدث لحظة بلحظة الى مشاهدة افلام بورنو كاملة على مواقع مجانية، فالأنثروبولوجيا و علوم التشريح و حصة الاحياء بالثانوى العام و افلام ناهد شريف جعلت الجميع يعرف كل شىء. يضيف الكاتب نون، امير الرواية العضوية، صاحب النص الشهير " لما الحلمة تبان، زيها زى الودان"، ان الفكر الأباحى كان موضة و انتهت و حل مكانه الفكر الما-بعد الاباحى حيث الكرسى فى الكلوب هو شعار المرحلة فأجزاء الجسد كلها متشابهة و لا فرق بين عضو و أخر.

"التقنية.. السر يكمن فى التقنية".. هكذا يخبرنا خاء، المهندس المتخصص فى الجرافيكس، فسهولة التقنيات الحديثة و البرامج المتاحة و سهولة استخدام ادواتها اتاح للهواة قبل المحترفين ان يقوموا بقص الصور و لصقها، حيث يمكن ان تقوم بتنزيل صورة من الفيس-بووك و قصة راس الفتاة من الصورة و لصقها على جسد امرأة عارية من أحدى مواقع البورنو الشهيرة فتحصل على صورة عارية بجسد ساخن و وجه فيس-بووكى مفضل!!!.

من الصعب اخضاع كل شىء للاخلاقية الأنسانية او حتى الدينية، فضغطة زر قد تحيل حياتك الى جحيم، و تعليق واحد يُفهم خطأ ينهى علاقتك بالأخر و عدم انضمامك لجروب يحيلك الى معارض و ابداء رأيك فى مسئلة ما يصنع منك عميل.. لا مجال للأخر المختلف على الرغم من فلسفات التسامح، و تقدم الوسائل التكنولوجية المساعدة على التواصل..

التسامح و التواصل، الكلمتان المخادعتان التى نتشدق بهما، يخفيان ورائهما نزعة مضادة للانسان. فالدوجما هى كل ما نملك، و التعالى هو صفة العصر، و محاولة تدمير الاخر هو شعار المرحلة حيث تتجلى أسمى ايات التواصل والتسامح بين البشر، فى العزل و الانتهاك و الأقصاء و الحجز. فالجسد – كمنتج نهائى- هو المستباح سواء على المستوى المباشر حيث ترى الأنتهاك مذاع على البلوجات او فى هيئة جروبات. فالأسس الثقافية لمجتمع كمجتمعنا ليست محصلة تراكمية للمعارف و طرق التفكير بل هى نتاج لما تمليه صراعات التاريخ او كما يحب ان يسميها ألف "النكاحات الايديولوجية الكبرى"!!! التى تملى انتصاراتها فى النهاية على جسد امرأة.