Sunday, March 29, 2009

عَقَل البعير - 6




--

النخبة

" شعارات فى مجال الفكر وخرابات فى أرض الواقع ! "

 أحمد عبد الله رزة

-1-

ما هى النخبة ؟

النخبة او المثقفون ..

يصعُب تعريف كلمة المثقف او كلمة النخبة :

 فالبعض يعرّفه على أنّه المتعلم الحاصل على شهادة جامعية أو عليا. والبعض الآخر يعرّفه بأنه المفكر المرتبط بقضايا عامة تتجاوز حدود تخصصه. وآخرون يقولون, بأنه المبدع في مجالات الأدب والفنون والعلوم. وهناك من يرى في المثقف واحداً من صفوة أو نخبة متعلمة ذات فعالية على المستوى الاجتماعي العام أو أنه صاحب الرؤية النقدية للمجتمع.

و لكن كل انسان هو " مثقف " لأنه يملك رؤية الى العالم و الثقافة ليست خاصية معينة لطبقة اجتماعية بعينها , فالثقافة ليست نشاط ذهنى فلا يوجد عمل يخلو من النشاط الذهنى و لا يوجد فكر بدون نشاط حركى او عضلى . فكل من يملك عقلاً يفكر هو " مثقف " ما .

لكن اذا عدنا الى محاولة التعريف : نستطيع ان نقول أن المثقف هو من " يملك القدرة على رفض الواقع، المثقف هو الذي لا يرضى بحاله حتّى يقوم بتغييرها، فإذا غيَّرها بدأ يحلم بمواصلة التغيير. فقط في لحظة الإبداع يكون المثقف راضياً * . وفي ما عداها، هو غير راضٍ ، رافض،  قلق، متعطش إلى التغيير. و المثقف ليس هو الضليع في مجال معين بل هو المفكّر الذي يأخذ موقفاً شمولياً من المجتمع . المثقف يحسُّ إحساساً داخلياً بأنه هو (وحده!) المسئول عن الإصلاح، عن التغيير، عن إلغاء الغبن، عن تدمير الظلم، هو صاحب رسالة، وإذا لم يمارسها فإن وجوده يصبح زائداً، أو فائضاً، أو غير ضروري  . ( الأنتليجنسيا ) , فحسب جرامشى : كل الناس مفكرون و لكن لا يمارس كل الناس مهنة " الفكر " فى المجتمع ..

اما عن انواع المثقفين فهناك المثقف التقليدى كالمعلم و رجل الدين و هناك المثقف العضوى و هو الذى يرتبط بمصالح طبقة معينة تسعى للسيطرة على المجتمع و هناك المثقف النبى و هو علي مثال سقراط وغيره من المفكرين المناضلين الذين يمارسون النقد الفكري والاجتماعي بشجاعة , وباستعداد للتضحية في سبيل حرية رأيهم , مثل الأنبياء الذين يتكلمون عن الحق والعدل دون اعتبار لمصلحتهم الذاتية أو لمصيرهم . ( هناك نوعين اخرين من المثقفين لا داعى للكلام عنهما و هما " المثقف المدجن و المثقف الموظف " !! )

-2-

" روح الرب عليّ .. لانه مسحني لابشر المساكين .. ارسلني لاشفي المنكسري القلوب .. لانادي للمأسورين بالاطلاق وللعمي بالبصر .. و اُرسل المنسحقين الى الحرية "

اشعياء النبى

-3-

" وجد كونفوشيوس مع تلاميذه عجوزاً تبكى على أحد القبور في القفار فأرسل إليها كونفوشيوس تلميذاً له يسألها عن سبب بكائها وحزنها فأجابته قائلة: إن والد زوجي قد فتك به نمر في هذا المكان, ثم ثنىّ النمر بزوجي, وها هو ذا ولدي قد لاقى المصير نفسه, ولما سألها عن سبب إصرارها على الإقامة في هذا المكان الخطر .. أجابته: ليس في هذا المكان حكومة ظالمة, فالتفت كونفوشيوس إلى طلابه وقال لهم: أي أبنائي, اذكروا قولها أن الحكومة الظالمة أشد وحشية من النمر .. "

-4-

المثقف و التغيير

يظل السؤال المعلق : هل المثقف قادر على التنوير من أجل تغيير المجتمع ؟

هناك ثالوثان مركبان .. دائماً هناك حالة تصادم بينهم :

الثالوث الأول : المثقف و التنوير و الجماهير او الطبقة الأجتماعية .

الثالوث الثانى :  النظام و المعرفة و السلطة .

فهل يمتلك المثقف سلطة فى المجتمع ؟ و ما هو نوع هذه السلطة ؟ و كيف يستخدمها ؟ و اى مجتمع نتحدث عنه ؟

-5-

جسور

المجتمع المقصود هنا , هو المجتمع الذي يمر في مرحلة التحول التاريخي. ففي هذه الفترة الحرجة, بالضبط تتجلّى سلطة المثقف.  فهو مطالب بتشكيل الوعي وضبطه للطليعة القائدة للتحول , لكونه منتجاً للمعرفة \ التنوير ..

و فى مجتمع مثل مصر يمر بكل ازماته و راغب فى التغيير و التحول تزيد أهمية المثقف او النخبة فى انتاج المعرفة \ التنوير كلٍ حسب طبقته الأجتماعية , فكل طبقة تفرز مثقفينها المرتبطين بقضايها و الذين يظهرون تلك القضايا فى كتاباتهم .. و لكن .....

يقول ميشيل فوكو :

" فالإنسان عندما يتوصل إلى المعرفة يستطيع أن يتحول إلى نوع من السلطة في مجتمعه. ويصبح الآخرون يهابونه ويحترمونه أكثر. بل ويستطيع أن يستغل معرفته أو شهرته لأغراض مادية إذا ما أراد. والإنسان الذي يمتلك السلطة يستطيع أن يجذب إليه كبار العلماء وان يستغل معرفتهم في ترسيخ سلطته إذا ما أراد."  

لذا فأن العلاقة بين المثقف و السلطة علاقة مركبة تشبه الجسر :

جسر ذهبي: يلتقي عليه الحاكم والمثقف, إدراكاً منهما لطبيعة الأزمة التي تمرُّ بها الأمة.

جسر فضي: وذلك عندما يأخذ الحاكم , ببعض وصايا ونصائح المثقف دون بعضها الآخر أي بصورة أخرى: أن يقنع المثقف بما يريح ضميره, والحاكم بما يحقق مصالحه.

جسر خشبي: يعبر عليه المثقف, مطأطئ الرأس ليصبح عبداً حيث يستأنس الحاكم برأيه, دون أن يأخذ به و يضمن الحاكم للمثقف قدراً لا بأس به من الأمان الشخصي و المادى ..

و هناك حالة " الا-جسر " حيث يتخلص الحاكم من المثقف !! .

-6-

مصر

تتعمق الأزمة فى مصر تعمق شديد , فالمثقفين المصريين منقسمين بينهم يديرون الصراعات الداخلية من الخارج . فهناك اربع فئات من المثقفين المصريين يدار بينهم الصراع :

الفئة الأولى : و هى التيار اليسارى أى الذى يقبض من ليبيا و أمريكا ( حيث تقع ليبيا و الولايات المتحدة يسار مصر على الخريطة ) .

الفئة الثانية : و هى التيار اليمينى أى الذى يقبض من السعودية و قطر و إيران و  " عراق صدام سابقا " ( حيث تقع هذه الدول يمين مصر على الخريطة ) .

الفئة الثالثة : و هى التيار الوسطى المعتدل ( الذى يقبض من الحكومة المصرية مباشرة حيث تقع مصر فى وسط الخريطة تماماً كما قال جمال حمدان ) .

الفئة الرابعة : النافخون فى الهباء الداروينى !! و هم قلة قليلة تسعى – حقيقة – لمصلحة تلك الدولة و لكنهم يتساقطون واحد تلو الأخر حتى انه لم يتبقى منهم أحد الأن .. تقريباً .

 والفئات الأربع موزعين بتوجهاتهم و خلفياتهم و تشير دائماً بوصلاتهم الى مصادر التمويل مباشرة , فأنت عندما تسمع أسم احدهم , تستطيع ان تعرف – بكل بساطة – اذا كان يمينى او يسارى او وسطى معتدل او هبائى مجنون ينفخ فى " قربة مقطوعة " او " يؤذن فى مالطة " !!! .

فهل اذا عرفت الجماهير طبيعة المثقف و هدفه .. هل تسعى تلك الجماهير الى التنوير ؟

-7-

"  لا يمكن أن نتحدث على السلطة باعتبارها ذلك الجهاز الذي يقبع على قمة المجتمع والذي يدعى الدولة أو السلطة السياسية العليا بل يجب أن نتحدث عن السلطة باعتبارها شبكة علاقة القوة المزروعة في كل جسد المجتمع والمنبثقة في كل مؤسساته وخلاياه . كعلاقة الأب بالأبناء , الأسرة بالأفراد , المدير بالمرؤسيين , المدرسة بالتلاميذ ... "

ميشيل فوكو

-8-

عملية التنوير عملية مركبة , فالجماهير لا تعقل و ترفض كل جديد و تسعى الى الثبات و الأستقرار . و السلطة تسعى دائماً الى دعم هذا الأستقرار و النظام دائماً يسعى الى بسط تلك السلطة . و المثقف دائماً ضد الأستقرار فهو يسعى دائماً الى التغيير . نحن امام حالة من الصدام المستمر , يستطيع أن يحلها التنوير الجماهيرى . و لكن الجماهير تخشى التغيير ,  فالمعرفة ضد الثبات لأنها متغيرة , و الجماهير تبحث عن الأستقرار الذى يؤمن لها ابسط احتياجتها , فهل توجد ايديولوجيا تستطيع ان تجمع المثقف و السلطة و الجماهير و تقودهم الى التغيير ؟

-9-

نهاية الأيديولوجيا و خصخصة المثقفين

نحن فى عصر انتهت فيه الأيديولوجيات الكبرى , فكما ارتكن القرن العشرين على ايديولوجيات القرن التاسع عشر و الثامن عشر كالماركسية و الليبرالية , فقد سقطت تلك الأيديولوجيات و انتهت و دُمرت على يد ثنائية الفكر و التطبيق . فالبعض يصرخ بأن انهيار الأتحاد السوفييتى هو نتجية خطأ فى التطبيق , و أن الأنهيار الأقتصادى هو نتيجة خطأ فى تطبيق السياسات الليبرالية و ليس خطأ فى الفكرة نفسها . حتى الدين هنالك خطأ ما فى تطبيقه كما يصرخ السلفيون ضد التجديديون , يبادلهم التجديديون نفس الصراخ بان هناك خطأ فى التطبيق . و يضيع التنوير بينهم , و تضيع الأيديولوجيات , و تنقسم الجماهير و تتفتت . يتركها النظام فى وسط هذا الأنقسام ليرسخ سلطته , يبحث المثقف عن وسائط اخرى للتغيير ,فلا يجد الا سياراته و فيلاته هى فقط التى يسعى الى تغييرها , متحالفاً فى ذلك مع سلطة النظام مستغلاً سلطة معرفته ماشياً على الجسر الخشبى رافعاً الرأس لا مطأطئها , الا من رحم ربى .

و يصبح المثقف " قطاع خاص " مجرد مروج لفكر و داعية لأفكار . و يستند المثقفون في دعواهم على قيم مطلقة من قبيل طلب " الحقيقة "  والالتزام ب" الموضوعية" ، وبالطبع كل فكر يطلب مشروعية عامة بزعم تجسيد فصل الخطاب ، وكمال الحق، وكذلك كل إرشاد أخلاقي لا يصح إلا بقابلية تطبيقه على الجميع دون استثناء. فتجد من يطالب بحرية نشر المعلومات و اخر من يطالب بمنعها , و تغرق الجماهير كما اشرنا فى تدفق رهيب للمعلومات , فكل جماعة تسعى الى نشر المعرفة \ التنوير من وجهة نظرها عن طريق مثقفيها , و هذا التدفق يحتاج الى تدقيق و تثبت من صحة ما يصل اليها من معلومات  وهى مسألة صعبة إن لم تكن شبه مستحيلة بالنسبة للجماهير و هنا يظهر دور المثقف كواجب عليه و كشخص افرزته طبقته ليقوم بتنويرها محاولة منه للتغيير , فيقوم المثقف " القطاع العام " المملوك لتلك الطبقة التى افرزته , بدلاً من تنويرها , يقوم بكل بساطة بخيانة تلك الطبقة و يصبح " مثقف قطاع خاص " ملك للنظام و يساعده بما يملكه من سلطة المعرفة فى ترسيخ الأستقرار لتثبيت سلطة هذا النظام  .

فهل هناك أمل فى التغيير ؟

-10-

عمرو خالد و جيفارا

فى مصر .. صراحة لا أرى هناك أمل فى أنتظار " تنوير " قادم من مثقفين , و خاصة من الأنواع التى تكلمنا عليها سابقاً . فعمليات التضليل اصبحت مشتركة بين المثقفين و النظام , و من يظل هائماً على وجهه ضائعاً لا يعرف الحقيقة هى الجماهير التى اذا تحركت لا يكن فى حركتها الناتجة عن جهل الا " العنف و التعصب " كما اشرنا فى تدوينة سابقة .. و ما الحل ؟

لا يوجد حل الا فى عمرو خالد و جيفارا !!! ..

فمع اعلان موت الأنسان الجمعى و نهاية القطيع و سقوط الأيديولوجيات .. يتجه الأنسان الى  " الفردية " .. فالانسان اصبح فى وسط هذا الضياع لا يبحث الا عن نفسه ,, يريد ان يشعر بأنسانيته .. بكمال طبيعته التى خُلق عليها و جمال الطبيعة التى خُلقت له .. و هو سبب نجاح عمرو خالد و سر عودة صور و أفكار جيفارا .. فعمرو خالد لا يدعو الى ثقافة القطيع .. بل يدعو كل شخص الى العمل ذاتياً فهو يضع دعوته فى شكل فردى انسانى .. يدعو كل أنسان الى أن يفعل شيئاً من ذاته لا فى قطيع , فعمرو خالد لا يتكلم فى رطانة ايديولوجية بل فى إنسانية بسيطة ( حتى لو اختلفت معه و فى انه يدس السم فى العسل ) و لكنه نجح فى أن يجعل  الشباب  يفعل شيئاً على العكس من الأحزاب و الحركات التنويرية التغيرية ( و على رأسهم حركة " كفاية " ) , فعمرو خالد جعل كل شاب يشعر بأنسانيته , بفرديته , بجمال الأنسانية و بجمال الكون و ان العالم جميل يستحق التغيير , و هى كلمات قد تكون مستوحاة من أفكار جيفارا الذى يدعو الى أن يثور كل شخص بنفسه , لا أن يتحرك فى قطيع  ( و هو سبب عودة صور جيفارا ثورى الستينيات ) . فهل هناك قاسم مشترك بين ثورى ملحد و داعية ديني ؟

-11-

المشترك – فى رأيى – هى الأنسانية . نحن نحتاج الى أن نثور على انفسنا من اجل الأنسانية .  

يقول غاندى :

" كن أنت التغيير الذى تريد ان تراه فى الأخرين "

مصر تحتاج الى المثقف االنبى  .. اعمل فى جماعتك الصغيرة .. اسرتك .. ابدأ بنفسك . لا تنتظر غيرك .. لا تنتظر الجماهير فهى لن تتحرك و أن تحركت فهو العنف و التعصب .. لا تنتظر مثقفين يدعونك الى تنوير .. فلن يحدث من امثال هؤلاء و خاصة المنتشرين من ذوى الأصوات العالية فى مصر أى تنوير .. ابدأ بجماعتك الصغيرة .. فكل انسان يستطيع ان يقوم بالتغيير , يستطيع ان يكون التنوير و النور لأخرين من حوله " انتم ملح الأرض " , " انتم نور العالم " .. ففى وسط القطيع تضيع هويتك الفردية و الأنسانية .. كل انسان يحتاج الى أن يشعر بأهميته .. يريد ان يشعر بان له دور . بأنه مخلوق كامل و ليس " فرد فى قطيع " . أهرب من الأفكار الكبرى و الرطانة الأيديولوجية فقد انتهت . ابتعد عن الشعارات فقد اصبحت مثار سخرية . لماذا نجحت " نهى رشدى " فى فعل شىء و لم تنجح كل جمعيات المرأة فى فعل أى شىء ؟ .. لماذا نجح كارل ماركس فى نشر فكره و فشل كل الشيوعيين فى تطبيقه ؟  لماذا نجح غاندى و فشل الأحتلال فى الأستمرار ؟ هل نحتاج الى أمثلة اخرى ؟

فنظرية المثقف الكبير قد انهارت .. فأنت تستطيع ان تكون مثقفاً .. الجميع يفكر .. ابحث و نقب و أعرف .. اسئل و استشير .. و ستجد دائماً هناك من بدأ مثلك .. ستجد ثالث و رابع و خامس .. و ستظهر طبقة جديدة تلفظ كل قديم .. و تتخلص منه من أجل التغيير .. ستتكون نواة لطبيعة " ثقافية \ تنويرية جديدة " .. نحتاج الف نهى رشدى و الف غاندى .. فالأنسان البسيط يستحق ايضاً ان يستمتع بالحياة و منها حقه فى التغيير  والتنوير .. و العالم جميل و الكون " مخلوق لأجل الأنسان " و من حق الأنسان سواء كان يملك او لا  .. أن يستمتع بما خلقه الله لنا . فالعالم يستحق ان نسعى من اجله .. و

مصر .. تستحق أن نتغير جميعاً من أجل تنويرها و تقدمها .

 

---

لا يتبع

The end

 

 

------

* لحظة الإبداع يكون المثقف راضياً : يعلن بعض كبار المحللين ان الكتابة نوع من انواع العلاج النفسى .. و خاصة علاج القلق و التوتر الدائم و هما من امراض المثقفين !! ..

 

 

Tuesday, March 24, 2009

عَقَل البعير -5

---

نحو التغيير

-1-

" وهذا السلوك الجماهيري يستمر على هذا النحو إلى أن تكتشف الجماهير أنها قد غرر بها أو خدعت, وحينئذ يتغير مسارها وتنقض بلا رحمة على من غرروا بها أو خدعوها, وقد يحدث هذا التحول بسبب كارثة كبرى تقع ( هزيمة عسكرية ساحقة أو انهيار اقتصادي يهدد لقمة العيش)  أو بسبب تراكم جرعات الوعي التي يبثها بعض المصلحون من أبناء الشعب. "

الحشود العمياء !

-2-

التغيير

متى يحدث التغيير ؟ نستطيع ان نتعرف على 3 وسائل او طرق للتغيير و كلها معتمدة على النص السابق .

الأولى : تحرك الجماهير نتيجة انهيار اقتصادى يهدد لقمة العيش

الثانية : تراكم جرعات الوعى

الثالثة : المصلحون من ابناء الشعب .

و هم يمكن اختصار كل واحدة منهم فى كلمة معبرة .

انتفاضة شعبية .. التنوير و الحداثة .. النخبة .

-3-

اذا كانت الجماهير لا تعقل و يسهل تضليلها معرفياً .. فلا مفر اذا من التوعية .. او من

التنوير و الحداثة .

-4-

" إنني مستعد أن أموت من اجل أن أدعك تتكلم بحرية مع مخالفتي الكاملة لما تقول "

فولتير

-5-

ماهو التنوير ؟

يكتب لنا كانط عن ماهية التنوير :

التنوير هو خروج الإنسان من القصور الذي يرجع إليه هو ذاته. القصور هو عدم قدرة المرء على استخدام فهمه دون قيادة الغير. يكون هذا القصور راجعا إلى الذات إذا كان سببه لا يكمن في غياب الفهم، بل في غياب العزم والجرأة على استخدامه دون قيادة الغير ، تجرأ على استخدام فهمك الخاص ! هذا إذن هو شعار التنوير .
إن الكسل والجبن هما السبب الذي يجعل طائفة كبيرة من الناس يظلون، عن طيب خاطر، قاصرين طوال حياتهم، حتى بعد أن تكون الطبيعة قد حررتهم، منذ مدة طويلة، من كل قيادة خارجية والذي يجعل آخرين ينصبون أنفسهم بسهولة أوصياء عليهم. إنه من المريح جدًّا أن يكون المرء قاصرا. إذا كان لدي كتاب له فهم نيابة عني، وواعظ له ضمير نيابة عني، وطبيب يحدد لي نظام تغذيتي .. الخ، فإني لن أحتاج إلى أن أجتهد بنفسي. ليس من الضروري أن أفكر ما دمت قادرا على أداء الثمن ؛ ذلك أن الآخرين سيتحملون هذا العمل المزعج نيابة عني. أما أن الأغلبية الساحقة من يعتبرون أن الخطوة نحو الرُّشْد، فضلا عن أنها شاقة، خطيرة جدًّا كذلك، فهذا ما سبق أن دبره أولئك الأوصياء الذين يتحملون الإشراف العام عليهم بطيبوبة تامة. فبعد أن يجعلوا أولا ماشيتهم مغفلة، وبعد أن يحرصوا بعناية على ألا يسمح لـهذه المخلوقات الهادئة بأن تتجرأ على القيام بخطوة واحدة خارج عربة المشي التي حبسوها داخلها ، بعد ذلك يبينون لهم الخطر الذي يتهددهم إذا ما حاولوا المشي بمفردهم. صحيح أن هذا الخطر ليس بالذات جد كبير، لأنهم سينتهون بتعلم المشي بعد أن يسقطوا بضع مرات .

أما أن ينور جمهور ذاته، فهذا بالأحرى ممكن، بل إنه تقريبا أمر محتم إذا كان هذا الجمهور متمتعا بالحرية. ذلك أنه، في هذه الحالة، سيوجد دائما، حتى بين من نصبوا أنفسهم أوصياء على الأغلبية، بعض الذين يفكرون بأنفسهم، والذين، بعد أن يتخلصوا هم أنفسهم من ربقة القصور، ينشرون حواليهم روح تقدير عقلي لقيمة كل إنسان واستعداده لأن يفكر اعتمادا على نفسه. والغريب هنا أن الجمهور الذي سبق أن وضع من قبلهم تحت ربقة هذا القصور، يجبرهم بعد ذلك، هو أيضا، على أن يظلوا تحتها، إذا حرضه على ذلك بعض أوصيائه العاجزين عن التنوير. إلى هذا الحد يكون ترسيخ الأحكام المسبقة مضرا، لأنها في الأخير تنتقم لنفسها من أولئك الذين كانوا هم أنفسهم أو أسلافهم واضعيها. لـهذا، لا يمكن لجمهور أن يبلغ التنوير إلا ببطء .

 فالثورة قد تطيح بالاستبداد الشخصي والاضطهاد المتعطش للمصلحة المادية أو السلطة، ولكن لا يمكن أن تؤدي أبدا إلى إصلاح حقيقي لنمط التفكير ، بل فقط إلى استخدام أحكام مسبقة جديدة، مثلما كانت تستخدم القديمة، كشريط موجه للأغلبية التي لا تفكر. وإنه من أجل هذا التنوير لا يتطلب الأمر شيئا آخر غير الحرية  .

-6-

ومع الآسف مازال هناك في مجتمعاتنا من يظن بأن حرية الفكر تقود إلى الكفر، وأن حرية المرأة تقود إلى الفسق، وأن العقل محدود فلا يمكن إطلاقه إلا كما نفعل مع طير القفص بتعريضه للهلاك. وهناك من يرى أن كل الخطر في تلقي العلوم الإنسانية في الفلسفة والتاريخ وعلم النفس والاجتماع ،فهذه أفكار أربع تأسيسية تناقض الفكر مع الإيمان، والعقل محدود الطاقة، ويجب عدم السماح للكفر بالتعبير عن نفسه خوفاً من هزيمة الإيمان إذا ظهر في ساحة المواجهة.

فولتير

-7-

الحضارات

الحضارات لا تموت بل تتحول .. تستمر فى دورات .. فالحضارة الفرعونية لم تمت بل حاضرة فى الحضارات الأغريقية و اليونانية و الرومانية .. الذين بدورهم حاضرين فى الحضارة العربية .. التى بدورها لم تمت .. بل حاضرة فى الحضارة الأوروبية .. فالحضارات لا تموت بل تتحول من شكل الى أخر .. من أسم الى أخر .. تنتقل من مكان الى اخر .. و من زمن الى أخر .. فهى فى النهاية ملك للأنسانية كلها ..

أرنولد توينبى

-8-

ان سبب التخلف العربي عائد الى الانغلاق الكامل داخل يقينيات القرون الوسطى التي تتخذ صفة الحقيقة الالهية المقدسة التي لا تناقش ولا تخضع للعقل بأي شكل .  

لقد أصبحت أوروبا بفعل التطورات التجارية والسياسية والدينية مهيمنة من كل النواحي منذ القرن السادس عشر وما صارت اليه أوروبا على مدار خمسة أو ستة قرون كان بفضل الاصلاح الديني في القرن السادس عشر، ثم الثورة العلمية الحديثة على يد غاليله وديكارت ونيوتن في القرن السابع عشر، ثم فلسفة التنوير في القرن الثامن عشر، وهي الفلسفة التي أدت الى نقد الدوغماتية المسيحية المتحجرة، وفتح ثغرة في جدار التاريخ المسدود. وشهدت في القرن التاسع عشر الثورة الصناعية التي تواصلت انجازاتها في القرن العشرين . كل هذا اعتماداً على ما وصلها من الحضارة العربية !! ..

فهل الله – نور السماوات و الأرض – يقف ضد التنوير فى العالم العربى ؟؟

-9-

من يقف ضد التنوير ؟ **

إن الحضارة العربية الاسلامية الكبيرة قد استوعبت التراث الاغريقي الروماني وانتصرت عسكرياً على ما عاداها، بل كانت متفوقة على الغرب اقتصادياً وثقافياً طوال قرون عدة . ثم عارضت السلطات العثمانية دخول المطبعة الى الامبراطورية طوال ثلاثة قرون خوفاً من دخول الأفكار الجديدة. وهذا يعني: " ان المرض الحقيقي الذي يعانيه العالم العربى هو نقص الحرية. إن لم نقل انعدام الحرية".

هذا يعني : " انه لا يوجد دين يسمح بالتطور ودين يمنعه كما يزعم البعض هنا أو  في الغرب. و الدليل على ذلك ان الحداثة في أوروبا اصطدمت بالمسيحية أو قل بالفهم المتزمت لها مثلما تصطدم حالياً بالاصولية الاسلامية سواء بسواء. فالفهم المستنير للدين هو الذي يشكل بداية الانطلاقة الحضارية، وهو الذي يحرر الطاقات المكبوتة أو المكبلة. ومن دونه لا يمكن للحضارة ان تتشكل ولا للنزعة الانسانية ان تسود ".

فالتنوير ليس حكرا على العقل الغربي إذ هناك تنوير اقتصادي مزلزل في شرق آسيا وتنوير ماركسي مادي في الصين و تنوير لاهوتى فى أمريكا اللاتينية و تنوير ديني روحي عرفته الحضارة العربية الاسلامية في عصور الازدهار وتنوير فلسفي عند الإغريق وتنوير سياسي شيده العالم الهندي في مرحلة ما بعد الاستعمار البريطاني و تنوير علمي تقني شهدته الحضارة القارية الأوربية وامتد إلى العالم الأنجلوساكسوني الجديد .

-10-

نحو التنوير

إن تنوير الحشد ليس مسألة مستحيلة وممتنعة بل تدخل في دائرة الممكن بشرط أن تتوفر لهم الحرية وينتشر بينهم روح التقدير العقلي للقيمة الخاصة بكل إنسان.ولن يصل الحشد إلى التنوير دفعة واحدة وبسرعة بل لابد من التدرج وتحقيق التنوير عبر مراحل من خلال التربية والتمرس والتدريب،”فالجمهور لا يمكن أن يصل إلى الأنوار إلا ببطء" ." فإذا سئلنا إذن:هل نعيش حاليا في عصر مستنير؟ فإليكم الجواب:كلا،بل في عصر يسير نحو التنوير "

فوكو – كانط

-11-

التنوير الحقيقي هو مساءلة الحاضر ، أنطولوجيا الحاضر ،لأن الحاضر انتماء لعصر يختلف عن غيره من العصور ، ولأنه يحمل بصمات تنبئ بعالم جديد بصدد التشكل،ثم هو”نقطة تحول نحو فجر عالم جديد”. فالتنوير يتطلب تغيير في العلاقة بين الإرادة والسلطات من أجل الاستخدام الشرعي والحر للعقل حتى يعوض التفكير الفردي الكتاب , والضمير المرشد الأخلاقي , والانهماك بالذات الطبيب , . لأن التنوير صيرورة خروج من حالة معينة كانت عليها الإرادة تتميز بالشلل والعجز إلى حالة جديدة تتميز بالتصميم والعزم .
ميشيل فوكو

-12-

من يقود التنوير ؟

فالذين توصلوا إلى التحرر من القصور والمشي بخطى ثابتة بالجهد الخاص لعقلهم هم قلة”..

كانط

 

فهل النخبة قادرة على تنوير الجمهور ؟

 

يتبع ...

 

------

** المساءلة هنا لا تقتصر على الفكر الأسلامى العربى الذى يمارس سيطرة ما على الفكر الأنسانى , فالكنيسة المصرية ايضاً مبدعة و خلاقة فى هذا المجال !! . فكما ترفع المؤسسات الدينية الأسلامية قضايا على بعض الكتاب و المفكرين لأن ما يكتبونه ضد " الدين " , ترفع الكنيسة فى مؤازرة شعبية و وحدة وطنية – مع أخواننا المسلمين - قضايا ضد الفنون من أدب و سينما !!! .

 



Sunday, March 22, 2009

عَقَل البعير -4



---

نحو التغيير

-1-

" وهذا السلوك الجماهيري يستمر على هذا النحو إلى أن تكتشف الجماهير أنها قد غرر بها أو خدعت, وحينئذ يتغير مسارها وتنقض بلا رحمة على من غرروا بها أو خدعوها, وقد يحدث هذا التحول بسبب كارثة كبرى تقع ( هزيمة عسكرية ساحقة أو انهيار اقتصادي يهدد لقمة العيش)  أو بسبب تراكم جرعات الوعي التي يبثها بعض المصلحون من أبناء الشعب. "

الحشود العمياء !

-2-

ان عدد الاشخاص الذين على استعداد لمقاومة السلطة أقل بكثير ممن هم على استعداد لطاعتها العمياء .

-3-

التغيير

متى يحدث التغيير ؟ نستطيع ان نتعرف على 3 وسائل او طرق للتغيير و كلها معتمدة على النص السابق .

الأولى : تحرك الجماهير نتيجة انهيار اقتصادى يهدد لقمة العيش

الثانية : تراكم جرعات الوعى

الثالثة : المصلحون من ابناء الشعب .

و هم يمكن اختصار كل واحدة منهم فى كلمة معبرة .

انتفاضة شعبية .. التنوير و الحداثة .. النخبة .

-4-

الانتفاضة الشعبية

اذا كانت الجماهير لا تعقل و لا تطلب الحقيقة , فهل انتفاضتها يعول عليها ؟ . فى القرن الماضى – القرن العشرين – حدثت 3 انتفاضات كبرى يمكن تذكرها الأولى انتفاضة سعد زغلول حيث قامت الجماهير بسد الطرق و الكبارى و تدمير المواصلات و حرق المحلات . حشود ضخمة تحركت و دمرت البلد و حرقتها بحجة انها نتفاضة شعبية . الثانية : حريق القاهرة الذى ادى الى ثورة 52 و يكفى من اسمه " حريق القاهرة " . اما الثالثة " انتفاضة 77 " التى حدثت نتيجة لرفع اسعار السلع الغذائية و التى ادت الى حرق و نهب البلد ,  و النظام الحالى يعى جيداً ما حدث و تعلم الدرس من سابقيه و لا يسعى لتكرار ما حدث و هو ما نلاحظه مع رفع الأسعار المتتالى دون أى انتفاضات " شعبية " .. فجرعات المخدر اكبر بكثير من احساس الحشود " الشعب " بالألم . غير أن تحرك الحشود يؤدى دائماً الى دمار و خراب . و ليس كل ما يريده الشعب هو فى الصالح العام . فثقافة القطيع هى التى تحكم !! .

-5-

جسد

فى كتابه المراقبة و المعاقبة , يكتب ميشيل فوكو أن جسد المحكوم عليه بالأعدام لا يستخدم فى الأعدام العلنى لأثبات حدوث او تنفيذ الحكم بل لأعلاء جسد الملك و تخويف الحشود التى ستذهب لمشاهدة الحكم و السيطرة عليها و على أجسادها فى المستقبل .

" القسوة تتضاعف بفعل الحشد (القطيع) ولذا فهو يَمضي لحضور عذابات يخاف منها "    

-6-

تفرز ثقافة الحشد العنف و التعصب :

 العنف لأن الحشود او القطيع يجد فى تجمعه قوة , فالفرد لا ينفصل عن الجموع . فهو خارج القطيع عديم الفائدة سريع الأستسلام و لكنه فى الجماعة يشعر بالأمان و القوة و عدم الخوف و تتم تلبية احتياجاته, لذا فهو يسعى دائماً للحفاظ على رباط هذه الجماعة حتى لو كان بالعنف . اما التعصب فهو ضمانة لأستمرار الفكرة الواحدة التى تسيطر او هى رباط هذه الحشود و تماسكها فهو يخشى كل جديد و يرفضه , فقد يكون هذا الجديد السبب فى تفرق الجماعة التى تؤمن له احتياجاته .

فى دولة مثل " مصر " .. بها " احتقان طائفى " و مع جماهير لا تعقل و لا تطلب الحقيقة , كما اوضحنا ,  بل تسير فى قطيع و يسهل السيطرة عليها و تضليلها معرفياً  .. , لك أن تتخيل حجم الكارثة اذا تحركت - كما يسعى البعض و ينفخ فى النار – تلك الحشود فى جماعية تحكمها صفتين : العنف و التعصب !! . ( نستطيع ان نعطى كثير من الأمثلة و بالأخص من الثورة الفرنسية التى قامت و ادت الى أن الجماهير قتلت و شنقت الملك و الملكة و الحاشية , ثم انقلبوا على قادتها – قادة الثورة -  و قامت بقتلهم و شنقهم أيضاً !!! , او نتذكر ان بداية ثورة يوليو المصرية المباركة ! قامت بشنق العاملين بمصنع نسيج " خميس و البقرى " !!! ) .

-7-

القابلية للإيحاء والاستهواء والاستلاب

حين يتدنى مستوى الجماهير التعليمي والثقافي , تصبح فريسة لأي شخصية قادرة على اللعب على مشاعرها وتصوراتها واحتياجاتها . فتندفع بلا عقل إلى التصديق والإتباع دون تثبت أو تحقق ويساعد على ذلك غريزة القطيع التي تشكل نوعا من الضغط الجماعي على الناس فيندفعون إلى اتجاه معين لا لشيء إلا لأن غيرهم مندفعين أو مساقين إلى نفس الاتجاه . و هناك من يدخل من هذا الباب محاولة منه لخلق فوضى عارمة !! .

-8-

مناخوليا اليسار و الفكر الأشتراكى !!

طرح الكاتب الشيوعي أحمد صادق سعد في دراسته القيّمة لانتفاضة 77 أن اليسار، حتى الراديكالي منه، كان مقيدا برؤية إصلاحية للحدث مناقضة لقوة الدفع السياسية للانتفاضة. سعد يثبت تقديره هذا بتحليل بيانات المنظمات اليسارية التي أدانت العنف وتبرأت من لعب دور في الانتفاضة وحصرت أهدافها في إسقاط القرارات الاقتصادية. 

سعد محق في تقديره، ولكن ليس لأن البيانات المركزية لتلك القوى وصلت للجماهير وأثرت فيها – فكما طرحنا، يغيب تأثير القوى السياسية المركزي في الأيام الأولى لأي انتفاضة – ولكن لأن هذه البيانات تكشف عن نوع التربية السياسية التي تلقتها عناصر تلك القوى والمتأثرون بها من المنغمسين في أوساط الجماهير، وتكشف بالتالي عن نوع المواقف التي دافع عنها هؤلاء، وهم نسبة مهمة ممن قادوا الأحداث، خلال المناقشات في المواقع المختلفة حول الوسائل والأهداف.

سعد يورد مثلا هاما. ففي أثناء المظاهرات كان يظهر مدافعون عن الذهاب لمجلس الشعب لرفع مطلب إلغاء القرارات الاقتصادية، وكان يظهر على الوجه المقابل تيار المواجهة العنيفة للسلطة ورموزها عبر إشعال الحرائق وتحطيم المحلات. لن يختلف معنا كثيرون على الأغلب إذا قلنا أن كثير من عناصر اليسار، بمختلف فصائله، كانت في "طليعة" المدافعين عن البديل الأول، وأن البديل الثاني المتحدي للنظام لم يجد من يصححه وينضجه ويخضعه للهدف الثوري ولمركزية النضال العمالي. لن يختلف معنا كثيرون إذا قلنا أن مَن يرى الاشتراكية هدفا مؤجَل، وهذا كان موقف معظم عناصر اليسار، لا يمكنه أن يسعى لدفع الانتفاضة باتجاه الثورة. ومَن يعتبر إسقاط النظام عمليا محض خيال، لا يمكنه أن يُطّور مطلب اقتصادي محدود (إلغاء القرارات الاقتصادية) إلى مطلب سياسي أكثر جذرية (إسقاط السلطة السياسية). ومن لا يملك رؤية واضحة للدور القيادي للطبقة العاملة، لا يمكنه أن يسعى بشكل منهجي إلى دفع انتفاضة العمال ومظاهراتهم في اتجاه الإضراب (ثم الإضراب العام) وفي اتجاه تكوين أشكال تنظيمية فاعلة للحركة العمالية تستطيع توفير فرصة لسيطرة الطبقة العاملة على قوى الانتفاضة بدلا من ترك العملية الانتفاضية ، كما حدث بالفعل بدءا من نهاية يوم 18 يناير، في يد قوى البرجوازية الصغيرة والبروليتاريا الرثة غير القادرة على امتلاك مشروع تكتيكي أو استراتيجي واضح المعالم .

المنغمسين ! , البرجوازية ! , البروليتاريا الرثة ! , العناصر ! , الدور القيادى للطبقة العاملة ! , الحركة العمالية ! , النضال ! , مشروع تكتيكى !!!!! .

ثم يقال عن ما حدث هو خطأ تنظيمى يسهل تداركه .. و مازال اليسار يسعى لتداركه حتى الأن !!! ( طولة العمر ليك يا حج ) .

 

 

يتبع ..

 

Friday, March 20, 2009

عَقَل البعير -3

-1-

" من السهولة أن تجعل الناس يصدقون كذبة، ومن الصعوبة أزالة تأثيرها عليهم  "

 مارك توين

-2-                                                                

The merry widow

مجموعة من الصور الدينية تم التقاطها عن طريق جوجل أرث " google earth " . كتبت عنها مجموعة "   the glue society" التى التقطتها ما يلى :

“We like to disorientate audiences a little with all our work. And with this piece we felt technology now allows events which may or may not have happened to be visualized and made to appear dramatically real. As a method of representation, satellite photography is so trusted; it has been interesting to mess with that trust “

الصور بعناونين : سفينة نوح , موسى يشق البحر , حادث الصلب , جنة عدن

شاهد الصور ( و تذكر ما انتشر من صور فى منطقتنا العربية من معجزات و علامات الهية !!! ) . 

-3-

" لا يهم أن تكذب على الجمهور لأنه لا يطلب الحقيقة أصلا "

جوستاف لوبون

-4-

من أين يأكل الأمريكيون ؟

 أصبح العالم يعتمد في نموّه على إنفاق الولايات المتحدة . و اعتمادا على ثقافة الاستهلاك المتعمّقة فيها، عوّدت الولايات المتحدة باقي العالم على التغذّي بالاستهلاك الأمريكي . ولكن .. لأن الولايات المتحدة تحتاج إلى النقود لتمويل استهلاكها، يكون على العالم أن يوفّر هذه النقود ! . المسألة أشبه بصاحب الدكان، الذي يكون عليه أن يوفّر المال لزبائنه لكي يواصلوا الشراء من دكانه . و إذا لم يشتر الزبون، ستتوقّف حركة الدكان، ما لم يقم صاحب الدكان بتمويله ! .. الولايات المتحدة أشبه بالزبون المحظوظ .. و العالم أشبه بالمموّل صاحب الدكان اليائس ! . من هو صاحب أكبر دكان الذي يقوم بتمويل أمريكا ؟ . اليابان بلا شك . . و مع ذلك فاليابان هي التي توصف بالضعف . الاقتصاديون المحدثون يشكون من أن اليابانيين لا ينفقون، و لذلك هم لا ينمون .

الادخار خطيئة، و الإنفاق هو الفضيلة ملحوظة : قبل أن تتبع هذه الاقتصاديات الحديثة، إبحث عن بعض الحمقى، و اقنعهم بالادّخار، حتّى يمكنك أن تقترض منهم و تنفق !!... أقرأ المقال .

-5-

الأغراق فى المعلومات

هل يطلب الناس الحقيقة ؟ مع العولمة اصبح تدفق المعلومات رهيباً , فمن ناحية يشكو الناس من قلة المصادر  و يطالبون برفع الحظر عن الوثائق و نشرها , و من ناحية أخرى تصبح الوثائق و المعلومات طريقة لتضليل " المعرفة " ذاتها . هل تساعد المعلومات و تدفقها الشديد و خاصة عبر وسائل الأتصالات الحديثة على نشر المعرفة ؟ ام هى وسيلة جديدة للتضليل ؟ من يعرف ماذا ؟ و كيف يستخدمها ؟  فالمعرفة اصبحت صناعة و لابد لها من مستهلك حتى لو كان لا يعى كما فى السلع الأخرى  .

-6-

الأعلانات

من الواضح أن الخطر الذي يهدد الكيان الاجتماعي يكمن في الدافع التجاري الخالص والذي لا يستهدف سوى الربح والربح فقط، وبهذا أضيفت إلى الإعلان مواد وأشكال وألوان جعلت من السلعة المستهلكة صورة مغايرة للواقع وكأنها من ضرورات الحياة الأساسية وكأن لا غنى عنها فتشكل بذلك الخطر الذي اصبح يهدد استقرار كل أسرة.

ولا يردع صناع الإعلان أي رادع أخلاقي أو إنساني فهم يسعوا إلى جذب الجماهير من خلال مشاهد للعنف أو باللعب على الحس الجنسي لدى العامة من الجماهير مثل أن تظهر فتاة في ما دون العشرين من العمر وهي تمسك بقلم أحمر شفاه ثم تنفرج الشفتان بإثارة مفضوحة و تغمض العينين لتفوح بعض ذلك بصوت جنسي شره .. هذا ناهيك عن الإثارة في الملبس والمأكل والمسكن الفاخر؟!.

كل هذا يتم من خلال الإعلان التليفزيوني وهو الذي حقق الكم من الإثارة الجنسية وخلق الرغبة الشديدة في الاقتناء.. وبالتالي تمت السيطرة على أفراد الأسرة الواحدة رغم أن المقومات الأساسية للنظام التجاري هو الدافع الذاتي دون الرجوع للقيمة الحقيقية للسلعة المعروضة وما إذا كانت مطلباً أساسياً أو رفاهية فقط.

-7-

" فالتلاعب بالعقول يبدأ بطوم و جيرى "

هنرى تشيللر

-8-

الحشود العمياء

ولكي تتمكن السلطة من قيادة الجماهير دون مواجهات أو مشكلات أو اضطرار للحل الأمني بكثرة فإنها تقوم بتشكيل وعى الجماهير بما يتفق مع مصالح السلطة, وهى تلح طول الوقت بأن ما تفعله هو في صالح الجماهير, وقد تتمادى السلطة في تشكيل الوعي الجماهيري حتى تصل إلى تزييف ذلك الوعي, حتى يرى تلك المصالح أهدافا عظيمة ويخيل إليه أن السلطة تسعى لصالحه. وبالطبع فإن هذا العمل يتطلب مهارات عالية لذلك يختار أصحاب السلطة ذوى الكفاءات في الإعلام الموجه للإلحاح ليل نهار على حواس الجمهور من خلال الصحيفة والإذاعة والتليفزيون لإقناعه بما تراه السلطة. 
وقد يتم التزييف من خلال شخصية كاريزمية في السلطة أو  في المجتمع يتم من خلالها تسويق أفكار السلطة إلى الجماهير التي تتقبل هذه الأفكار بناءا على تقبلها وحبها للشخصية الكاريزمية. وهذا التزييف لوعى الجماهير وبالتالي لخياراتهم يحدث  في الأنظمة المستبدة والأنظمة الديمقراطية على السواء, ولكن تختلف وسائله وأساليبه ودرجة فجاجته أو وقاحته من مجتمع لآخر فبينما يحدث  في الأنظمة المستبدة بشكل سلطوي غاشم يمجد إرادة الفرد ويرفعه إلى مصاف الآلهة نجده  في الدول الديمقراطية يحدث من خلال آلة إعلامية هائلة التأثير تقوم بعمل غسيل مخ للناخب وتوجهه إلى حيث تريد من خلال التأثير على أفكاره ورؤاه. 
والجماهير بعد تزييف وعيها تصبح كائنا انفعاليا غير منطقي يميل إلى التحيز على أساس عاطفي وحماسي , ويميل إلى الاندفاع في الاتجاه الذي يحدده له من قاموا بتزييف وعيه.

" وهذا السلوك الجماهيري يستمر على هذا النحو إلى أن تكتشف الجماهير أنها قد غرر بها أو خدعت, وحينئذ يتغير مسارها وتنقض بلا رحمة على من غرروا بها أو خدعوها, وقد يحدث هذا التحول بسبب كارثة كبرى تقع (هزيمة عسكرية ساحقة أو انهيار اقتصادي يهدد لقمة العيش) أو بسبب تراكم جرعات الوعي التي يبثها بعض المصلحون من أبناء الشعب. "

-9-

عقل الجماهير

" الجماهير في حالة احتشادها وانفعالها واندفاعها وغضبها أبعد ما تكون عن التفكير العقلاني المنطقي, وكما أن روح الفرد تخضع لتحريضات المنوم المغناطيسي الذي يجعل شخصا ما يغطس في النوم فإن روح الجماهير تخضع لتحريضات وإيعازات أحد المحركين أو القادة الذي يعرف كيف يفرض إرادته عليها, وفى مثل هذه الحالة من الارتعاد والذعر فإن كل شخص منخرط في الجمهور يبتدئ بتنفيذ الأعمال الاستثنائية التي ما كان مستعدا إطلاقا لتنفيذها لو كان في حالته الفردية الواعية والمتعقلة. فالقائد أو الزعيم إذ يستخدم الصور الموحية والشعارات البهيجة بدلا من الأفكار المنطقية والواقعية يستملك روح الجماهير .

الظاهرة التي تدهشنا أكثر في الجمهور  هي التالية: أيا تكن نوعية الأفراد الذين يشكلونه وأيا يكن نمط حياتهم متشابها أو مختلفا, وكذلك اهتماماتهم ومزاجهم أو ذكاءهم فإن مجرد تحولهم إلى جمهور يزودهم بنوع من الروح الجماعية, وهذه الروح تجعلهم يحسون ويفكرون ويتحركون بطريقة مختلفة تماما عن الطريقة التي كان سيحس بها ويفكر ويتحرك كل فرد منهم لو كان معزولا, وبعض الأفكار والعواطف لا تنبثق أو لا تتحول إلى فعل إلا لدى الأفراد المنضوين في صفوف الجماهير .

ان الجماهير لا تعقل، فهي ترفض الافكار او تقبلها كلا واحدا، من دون ان تتحمل نقاشها او مناقشتها. انها لا تعرف غير العنف الحاد شعورا، فتعاطفها لا يلبث ان يصير عبادة، ولا تكاد تنفر من امر ما حتى تسارع الى كرهه.

وحتى لو كانت الجماهير علمانية، تبقى لديها ردود فعل دينية، تفضي بها الى عبادة الزعيم، والى الخوف من بأسه، والى الاذعان الاعمى لمشيئته، فيصبح كلامه دوغما لا تناقش، وتنشأ الرغبة الى تعميم هذه الدوغما. اما الذين لا يشاطرون الجماهير اعجابها بكلام الزعيم فيصبحون هم الاعداء.
لا توجد الجماهير من دون قائد. والعكس صحيح ايضا، اذ لا يوجد قائد من دون جماهير .  "

جوستاف لوبون

 

يتبع ..