Saturday, December 29, 2012

الاجهزة


الاجهزة الايديولوجية للدولة..

"لا ينبغي أن نبحث عن الهيئة العليا التي تكون مصدر معقوليتها (السلطة ) ،فلا الفئة الحاكمة ،و لا الجماعات التي تسهر على سير أجهزة الدولة ،و لا تلك التي تتخذ أكثر القرارات الاقتصادية أهمية ،هي التي تسهر على تنظيم شبكة السلطة التي تعمل في مجتع معين "
ميشل فوكو .. إرادة المعرفة
---

هناك تميز بين "سلطة الدولة " Pouvoir d’État و"جهاز الدولة" Appareil d’État حيث لا معنى لهذا الأخير دون وجود الأول، ويمكن أن يبقى جهاز الدولة في مكانه بينما تمسك وتحتفظ بسلطة الدولة طبقة من الطبقات أو تحالف طبقات أو أجزاء من طبقات معينة، فقط لأنها هدف صراع الطبقات السياسي. والتاريخ يثبت أنه رغم توالي "الثورات" التي تستهدف تلك السلطة من قبيل "الثورات"، بقي جزء كبير من جهاز الدولة في مكانه بينما استولى على السلطة تحالفات أخرى جديدة.

ومن جانب اجهزة الدولة : هناك جهاز الدولة القمعي وجهاز الدولة الأيديولوجي. تشمل أجهزة الدولة القمعية مؤسسة الحكم والبوليس والإدارة والقضاء والجيش والسجن، وتعتبر جهازاً واحداً في الحقيقة، لأنها تخضع لإرادة مركزية واحدة وهى سلطة الدولة. ولكن أدوات الدولة الأيديولوجية تعمل من خلال عدد من المؤسسات، التي لا تتشابه بالضرورة ولا تخضع لإرادة مركزية، مثل المؤسسة الدينية، التعليم، الأسرة، الاتحادات والروابط النقابية، إلخ. 

في الوقت الذي يُلاحظ وجود جهاز قمعي للدولة، يرى أنه يوجد العديد من الأجهزة الإيديولوجية. وبينما ينتمي الجهاز القمعي كليا إلى المجال العام، فإن الجانب الأكبر من الأجهزة الإيديولوجية يصدر عن المجال الخاص. هناك تمييز  بين المجالين الخاص والعام ،وهو تمييز داخلي ، ويبقى صالحا في المجالات الملحقة التي تخضع إلى سلطة ذلك القانون. مجال الدولة لا يخضع لهذا لأنها "خارج القانون" فهي لا تنتمي لا للعام ولا للخاص، بل على العكس فهي شرط كل تمييز  بين الخاص والعام. نفس الشيء ينطبق على الأجهزة الإيديولوجية للدولة، لا يهم إن كانت المؤسسات التي تحققها "عامة" أو "خاصة"، بل المهم هو عملها. فمؤسسات خاصة يمكن أن "تشتغل" كأجهزة إيديولوجية للدولة.

الفرق بين الأجهزة الإيديولوجية والجهاز القمعي للدولة هو أن هذا الأخير "يشتغل بالعنف" والأخرى تشتغل بالإيديولوجيا. أن أي جهاز للدولة يشتغل بالعنف وبالإيديولوجيا معا، ولكن مع فرق مهم لا يجعل الإثنين يختلطان. حيث يشتغل الجهاز القمعي بالعنف أولا ثم بكيفية ثانوية بالإيديولوجيا، والأمر نفسه بالنسبة للأخرى حيث ينعدم جهاز  إيديولوجي صرف. هكذا تضع المدرسة والكنيسة طرقا خاصة للقمع تتجلى في العقوبات والشطب والإنتقاء، كما تعتبر الرقابة قمعا يمارسه الجهاز الإيديولوجي الثقافي.


وبينما يعتمد جهاز الدولة القمعية أداة العنف لفرض السيطرة والتحكم؛ فإن أجهزة الدولة الأيديولوجية تخدم الأهداف نفسها من خلال أداة الأيديولوجيا، المضمرة في ثقافة المؤسسات المختلفة التي توفر حاضنتها وإطارها وقنوات تسربها. 
ليس ثمة نظام حكم يمكنه أن يؤسس شرعيته، وأن يمارس حكماً مستقراً وعقلانياً، من دون الاستناد إلى مؤسسات الدولة الأيديولوجية، وضمان وقوفها إلى جانبه. مؤسسات الدولة الأيديولوجية هي التي تزرع الاقتناع بضرورة الحكم ووجوده، حتى إن واجه معارضات سياسية واجتماعية، بهذه الدرجة أو تلك. عندما يخسر نظام الحكم مؤسسات الدولة الأيديولوجية، لسبب أو مجموعة أسباب، تنحصر أداة الحكم في الجهاز القمعي. 

بكلمة أخرى، تستقر أنظمة الحكم على قاعدة من الإجماع، التي تتجاوز الخلافات السياسية والاجتماعية؛ والتي تتمتع بمناعة ضد أكثر التدافعات السياسية حدة، باعتبارها نتاج عملية إنتاج إيديولوجية مستمرة، تتسرب إلى القطاعات والقوى الاجتماعية المختلفة عبر قنوات ثقافية غير محدودة، تبدأ بالأسرة، ولا تنتهي عند الروابط العمالية والمهنية. وعندما يتآكل إيمان الأجهزة الأيديولوجية للدولة بنظام الحكم، وينحسر ولاء هذه الأجهزة، تتآكل القاعدة الإجماعية التي يستند إليها النظام، إلى أن تصل الأمور مرحلة يصبح فيها جهاز الدولة القمعي الوسيلة الوحيدة لحفاظ النظام على وجوده.