Thursday, May 17, 2012

المثقف لا يركب مترو الأنفاق


-1-

"نصف مرتب".. حتى لا تتوقف عجلة الانتاج.
يخبرنى المدير وابتسامة خفيفة على وجهه.
انتقلت الى موقع جديد. لأن المالك طلب من المقاول ايقاف المشروع بالموقع الأخر. مفيش فلوس!!.  
والسيارة!!. والانتظار ومصروفات الجراج والباركينج!؟. ساتنقل بالمترو..
لا تأتمنوا الباور او المارشدير. لا تثقوا فى عسكرى مرور ولا تصدقوا اشارة الكترونية، بل استعينوا على قضاء حوائجكم بتذكرة المترو وصافرة القطار.

-2-
الجمعة .. اخر النهار
عائد من زيارة بعين شمس. اتجه الى محطة المترو. اقف عند كشك بائع الجرائد. امر بعينى على المعروض. التقط اخبار الادب، مجلة "المجلة" وكتاب الهلال. ادفع ثمنهم واتجه الى درجات السلم. اصعدها بتمهل حتى اصل الى شباك التذاكر. اقطع تذكرة من الشباك و اتجه الى الماكينة. يتقدمنى 4 اشخاص لم يشتروا تذاكر. يمروا من الماكينات المعطلة. يتبادلوا ابتسامات الاحراج مع موظفى الامن الذين تركوهم يمروا. الشعب متواطىء مع بعضه.
اضع التذكرة فى الماكينة، تخرج من الجانب الاخر. التقطها واتجه الى السلالم. انزلها فى هدوء. امامى رسم جرافيتى لوجوه الشهداء مرسوم على الحائط اسفل السلم.
يعنى إيه "RIP".. يسئله مستخدما البى الخفيفة.
"دى كلمة اتفق عليها الثوار بعد رسم وجه الشهداء ومعناها "البقاء لله"..
اسير على الرصيف حتى اصل الى اخر سور المحطة. اكوام من بواقى الرمل والزلط والدبش المكسور مكومة بجانب سلم كهربى لم يعمل بعد تحت طور التجهيز والتركيب. يقف احدهم وقد اعطى ظهره يتبول فى صمت على هذا الكوم. "عرق الشعوب الطازج يختلط بالمعمار الحديث" يقولها أحد الواقفين. ابتسم للتشبيه. اكمل الى اخر الرصيف. اقف مستندا الى الحائط منتظرا مجىء المترو القادم.
اتصفح اخبار الادب عدد الاحد الصادر يوم الجمعة.امر على العناوين بسرعة. على الغلاف:

رجال ونساء السيدة.
مدنية .. تاريخ المصطلح الغامض.
الى اتحاد الناشرين.. تحيا القرصنة
فرانكو بيرارى.. افقدوا الأمل فى التغيير

افتح كتاب الهلال المعنون "فى صحبة الكتب"  للسيد امين  شلبى. افتحه واقرأ المقدمة.

أصبحت عروض الكتب book reviews من معالم الحياة الثقافية والفكرية فى مصر والعالم. وقد عبر الدكتور طه حسين عن ذلك حين قال: كلما قرأت كتابا أعجبت به، تمنيت ان اشرك غيرى فى قراءته. ومن هذا المفهوم كتب كتابه "الوان"، وكتب الاستاذ عباس العقاد "مع الكتب والناس"، والاستاذ انيس منصور "مائة كتاب فى كتاب"، والدكتور جلال امين "كتب لها تاريخ"، والاستاذ خيرى شلبى "كتب وناس" والاستاذ علاء الديب "عصير الكتب".
كذلك عرفت مصر مجلة "الكاتب" قدمت امهات الكتب العالمية للمثقفين المصريين، وظهرت مجلة متخصصة فى الكتب وهى "وجهات نظر" وتصدر الهيئة العامة للكتاب دورية "عالم الكتب".

اسمع صوت القطار القادم. دوران العجلات والاهتزاز وصرير الحديد يصل الى اذنى. اغلق الكتاب، واتجه الى حافة الرصيف امام سهم على الارض يحدد باب الدخول. يصل المترو وتنفتح ابوابه. اركب واجلس على اقرب مقعد خالى. الجمعة اخر النهار. المترو غير مزدحم. اجلس مستريحا على احدى المقاعد الخالية. رائحة العرق لا تنقطع وكانها ملتصقة بالجداران والمقاعد والاعمدة الحديدية. افتح اخبار الأدب، اقرأ مقال عبلة الروينى عن الفيتورى الذى نعاه اصدقائه وهو حى:

سأرقد فى كل شبر من الارض.
أرقد كالماء فى جسد النيل
ارقد كالشمس فوق حقول بلادى
مثلى انا ليس سكن قبرا.

"انت عارف كيلو اللحمة المفروم بكام؟ ب 37 جنيه. معاه شوية رز وطبق خضار.. ادى اللى بناكله دلوقتى. البلد حالها واقف".. يخبره
"يا راجل، دا احنا بنشترى الكلوباترا فرط" يجيبه.
"وحشنى الزفر يا أخى.. وحشنى".
ترتطم الاجساد وتتخبط مع حركة المترو وتوقفه المفاجى، رائحة العرق لا تنقطع. للوهلة الاولى قد تظن ان المصريين لا يستحمون. لكن مع ركوبك الدائم للمترو وبصفة منتظمة تفهم. صباحا هناك الذاهبون الى اعمالهم واخرين عائدون من وردية ليل. تلك الرائحة، ناتجة عن اختلاط صابون الوجه والعطور والعرق. اخر النهار، بالليل او حتى يوم الجمعة، دائما هناك من يذهب الى الوردية برائحة العطر واخرين عائدون محملين بالعرق.
يقف القطار فى المحطة التالية. تخرج اجساد وتدخل اخرى..
" ليلة متميزة.. كانت سهرة خاصة على قناة التت. سونيا الراقصة ، جسدها ملبن مصفى بنت الحرام، وحتة من تايجر كينج.. عملت 2 خميس صح الصح".. يخبره فيضحك. ارفع راسى واضبط العوينات فى هدوء واقلب صفحات العدد.

الخميس القادم
افتتاح مؤتمر الأدب والجسد
تحت عنوان الادب والجسد يفتتح الخميس القادم وعلى مدى خمسة ايام المؤتمر الدولى الذى تنظمه مجموعة بعد البحر الثقافية. ويعد المؤتمر هو الثالث بعد مؤتمرين سابقين الاول اقيم الاول تحت عنوان "الادب والفكاهة"، والثانى بعنوان "الادب والمدينة". معظم الضيوف كتاب معاصرين من حوض البحر المتوسط..
                                        
"ده تقريبا، من مثقفى وسط البلد.. واخد المترو ونازل السادات"..يخبره.
ارفع راسى والتفت حولى لأرى من هو. لا اجد من أشارا إليه. اعود للقراءة. لغز الدولة المدنية.

لاحظ هذا فهمى هويدى قائلا: ان كلمة مدنية تم استعمالها بديلا عن مصطلح علمانية سىء السمعة، وكعادة هويدى، كان هذا ادق تعبير عن جانب واحد من الحقيقة.

يتوقف المترو، يصعد شاب ممسك موبايل عريض الشاشة يخرج منه سلك اسود ينتهى بالسماعات فى اذنيه، يستمع ويتمتم بكلمات قرآنية على ما اعتقد. ملابسه وهيئته مميزة تشى بسلفية واضحة، بنطلونه القصير فوق حذاء لامع ونظيف، جزء من الجوارب ظاهر، قميص من الخارج مكوى ومهندم، رائحة ثقيلة غير منفرة تنبعث منه وفى يده الأخرى سواك صغير، يمرره بين الحين والاخر على اسنانه. يشير الى المكان الخالى بجوارى. "اتفضل" ارفع المجلة والكتاب وافسح له.  يجلس بجوارى فى سكون مبتسما. اتطفل والقى نظره على الموبايل. صدقت توقعاتى. الشاب يستمع الى القرآن ويردده من شاشة الموبايل.

"الدولة المدنية الحديثة مصطلح متعارف عليه تحت مسمى civil state. وهو امتداد لمصطلح المجتمع المدنى، ويقوم على مبادىء خمسة أساسية هى مبدأ المواطنة والمساواة فى الحقوق والواجبات، واطلاق الحريات العامة واحترام دولة المؤسسات والقانون، والفصل بين السلطة السياسية والسلطة الدينية المعروف بأسم العلمانية. هذا هو تعريف الدولة المدنية من وجهة نظر الروائية مى التلمسانى".

يتعالى صوت اثنين، نلتفت اليهم جميعا. يضغط الشاب على الموبايل ويخرج احد السماعات من أذنيه.
" يا اخى يلعن ابو الثورة على الثوار، احنا جعنا والدنيا واقفة، انا حنتخب فلول يعنى حنتخب فلول" يصرخ فى وجهه.
" يعنى انتم كنتم مليونيرات قبل الثورة يعنى!!؟. شوية أغبيا. افهموا بقى. الثورة دى زى الطفل، اتولدت يوم 25 يناير وال18 يوم كانوا عبارة عن سبوعها!! لازم تكبر وتتعلم، طفل بقولك، افهم، يمشى ويقع ويتخبط ويتجرح ويتعور، يتعلم الكلام ، ناس تزعقله علشان عمل حاجة غلط، ناس تضربه وناس تطبطب عليه.. الثورة لازم تقعد 20 ولا 30 سنة لغاية ما تكبر وتبقى شباب علشان تعرف تاخد حقها بدراعها، فوقوا بقى ومش عايز اسمع حد يغلط فى الثورة تانى، فاهمين ولا لأ!!؟".. يجيبه بحزم وقوة ووجه غاضب اخرسته.
اطلقت سبة سكندرية. مدينته التى كتب منها يوما على فيس-بووك " الثورة كائن حى يكبر وينمو". أحيه ، اناركى فى المترو.
صمت تام، خيم على العربة وكل ركابها الا من همهمات الشاب الذى اعاد السماعات الى اذنه مرة اخرى.

ولكن هناك الغاما فى المصطلحات. وليس هذا المصطلح هو الوحيد. برغم انسياق حافظ لأستخدام تعبير "دولة مدنية" عدة مرات من قب فلقد راى إن مصطلح الدولة العلمانية هو الافضل: "لأنى اكتشفت ان التراجع عن استخدام مصطلح العلمانية قد يكون انتحارا ثقافيا واعترافا ضمنيا بالهزيمة امام الاصولية الدينية. وخصوصا وان الاسلاميين يراوغون ايضا، ففى خطاباتهم يقولون ان الاسلام لا يعرف الدولة "ألثيوقراطية" بديلا عن استخدام الدولة "الدينية" على الرغم من ان ثيوقراطية تعنى سلطة دينية.

" إلا ان نصر الله قريب". صدق الله العظيم. رفع السماعات من اذنيه ولف السلك حول الموبايل ووضعه فى جيبه. وقف متجها الى الباب . مط شفتيه ونظر اليه وكانه يحملنى رسالة اوصلها للثورى الغاضب وبصوت مكتوم وعينان تحبسان دموعها نطق كلماته. "الثورة رحلت مع رحيل الشيخ". يقف عند الباب فى انتظار المحطة التالية وعند الباب البعيد يقف ناخب الفلول ينتظر هو الاخر. أعود للقراءة مرة أخرى.

"دولة مواطنة لا تتعارض قوانينها مع احكام ديانة الاغلبية". ولكن حتى هذا الهدف يحمل تناقضا فى داخله، اذ لابد فى رأيه ان يجور القانون الوضعى على القانون الدينى او يجور القانون الدينى على القانون الوضعى. والحل: محاولة قصر المرجعية الدينية على الاحوال الشخصية، وإخضاع المجال العام للقانون الوضعى.

"صلى على النبى!! واللى يصلى على النبى يكسب. لا قلنا ب10 ولا 7 ولا بخمسة. زيد النبى صلاة ، ب3 جنيه بس، الصين حنينة على عبيدك يا رب". بائع مزعج، اطلق رائحة غريبة. ماكينة فرم الثوم الصينية. يخرج رأس ثوم مقشرة يضعها فى الماكينة، يحرك الزمبلك اليدوى فتخرج فى طبق صغير، ملحق بها، مفرومة وزى الفل وعال العال"... يحصى البعض جنيهات فضية من جيبه وينادى البائع. يمر من امامى شخص مهلهل الثياب. رائحة الثوم تنتشر بسرعة البرق.
أسمع صوت ال"Beep" الشهير الخاص بالرسائل. اخرج الموبايل فتسقط علبة السجائر معه، التقطها واعيدها مرة اخرى. اضغط على الموبايل وافتح الرسالة: BBQ sauce.. PLS
محطة منشية الصدر. محطة بلا اسوار. اعمال التجديد والترميم مستمرة لأكثر من عام حتى الأن كما سمعت. 3 بنات وشاب يدخلون المترو." اَبط" كما ينطقها الصعايدة .. اقباط مصر كما ينطقها المسلمين. مسيحيين كما نفضل ولكن لا من مجيب. عائدون من الكاتدرائية، تضع الفتاة سماعات الموبايل فى اذنيها. ترنيمة لا تصل كلماتها واضحة الى مسامعى. يسألها الشاب بهمهمات. واحدة منهم صديقته واثنتين مجرد تمويه... ابتسم للذكريات. تجلس الفتاتين الاخريتان بجوارى، ليتركا المحبان. ألتقط كلمات الترنيمة بوضوح.
الله الذى لنا.. هو لن يتركنا
بل يهدينا ويحمينا... يحنو علينا
ربنا لا ينسانا. وهو دائما معنا
فى طريق ذى الحياة.. يتقدمنا.
"عملتو إيه فى حفلة بداية النشاط الصيفى؟" .. تسئلها
"ولا حاجة، جهزنا الفقرات ولسه ابونا مقررش حنختار إيه او حنفذ إيه".. تجيبها
أوه. اتذكر الان لماذا كرهت ابونا بولس. لأنهدائما هو من يقرر وينبغى علينا ان ننتظر قراره الذى يأتى متاخرا. فتخرج الفقرات ليست على المستوى المطلوب والذى نتمناه، فنتلقى منه اللوم على التقصير فى حق ابناء الكنيسة!!!. الشعب متواطىء مع بعضه حتى الأن.

ولكن ماذا عن الدولة العسكرية، هل يمكنها ان تكون مدنية اذا قامت بالفصل بين الدين والدولة. يرد خير بانه لا يستطيع وضع مرادفات للدولة المدنية إذا تحققت بالفعل، لانها حتى الان مجرد افتراض، يمكنه الحديث عن علاقة العلمانية بالعسكرة او التأسلم بالعسكرة لأنها حالات تحققت بالفعل.

اقف عند الباب لأقتراب المحطة. يتوقف المترو وانزل فى هدوء.. اعمال بناء سلم كهربى تجرى على قدم وساق. اخر السور كومة من الرمال يتبول عليها احدهم ستصير يوما جزء من الحامل الخاص بالسلم الكهربى. عرق الشعوب برائحته الطازجة المختلط بقاعدة السلم الكهربى. اصعد السلالم حتى أصل الى الماكينات. يمر امامى بضعة رجال وسيدات من الماكينات دون تذكرة، يتبادلوا الابتسامات مع رجال الأمن. يتمتم احدهم" رينا يكرم الجميع". اقترب من الماكينة ، الموضوعة بجوار ماكينات جديدة تنتظر تغيير نظام التذكرة القديم المعمول به الان. قبل ان اضع التذكرة يلتقطها شاب من الأمن، يفتح الدوار الحديد مبتسما، امر فى هدوء، ويلقى التذكرة فى برميل اسود كبير.

-3-
اخرج من محطة غمرة متجها الى الظاهر، مدينتى المفضلة. فى الممر، شحات جالس على الارض يمد يد وبالاخرى يلتقط حبات ترمس من كوب بلاستيكى موضوع امامه " ربنا ينور طريقكم يا مسلمين ، ويديكوا على قد نيتكم يا مسلمين ". يخرج الكثيرين جنيهات فضية يضعوها فى يده. "الله يكرمكم يا مسلمين". اتجاهله لأنى لست من المسلمين واخرج الى الشارع. عربة ترمس تقف امام الباب مسببة زحام شديد. امر من خلفها لأجد بائعى الفاكهة. زحام أخر. سيارات الميكروباص تقف طابور فى انتظار ركاب على غير العادة. يربت أحد التباعين على كتفى: "باب الشعرية أساحبى؟".. اجيبه باقتضاب" لأ، شكرا". يتركنى ويهرع الى تجمع اخر يسئلهم. قليل من ركبوا وكثيرين ساروا على الاقدام بجوارى. رحل النهار و ترك سواده وعتمته تكسره إضاءة كشافات السيارات التى تمر سريعا وعلى الامتداد مصباح عالى بعيد يلقى بأضاءه صفراء خافتة وكثير من الظلال. سيارات كارو تجرها حمير تلقى باكوام من الزلط والدبش وباقى رمال على جانبى الكوبرى فتضيق مساحته. سرت وسط ظلال اخرى حتى وصلت الى السلم الحديدى. انزل وسط الباعة الجائلين الذين ابتلعوا السلم ببضاعتهم المفروشة على بطاطين والواح خشبية. امر من امام محل اولاد مسعود. لثالث مرة يغير نشاطه. من بائع كشرى الى مصمت والأن بائع فطائر وبيتزا..لا احد يشترى ولا احد يبيع. "ابعت ياللى بتبعت" يصرخ احد العاملين بالمحل. اسير حتى فرن الخبز الفينو. اخرج قطعتين من الفضة " خمسة فينو لو سمحت" .. يسحبهم طفل من الصاج الاسود ويلقيهم بسرعة فى كيس من البلاستيك. التقطه منه وامضى الى المنزل. افتح الباب وادخل بهدوء، اضع الاكياس على السفرة. تخرج زوجتى من المطبخ. تسأل: جبت الباربكيو صوص؟" اشير الى الكيس البلاستيك. "طيب هاته".. احمله الى المطبخ واضعه على الرخامة. " نصف ساعة والاكل يجهز". رائحة شواء الزفر منتشرة. "الحمد لله، احسن من غيرنا كتير". أشد حبل الشفاط ليطردها الى الخارج. اتجه الى الحمام ، اغسل وجهى. التقط جريدة قديمة والفوطة الصفراء واسفنجة التنظيف. اذهب الى الانتريه، اضعهم على المنضدة الزجاجية. اخلع القميص وادخل غرفة النوم التقط شماعة واعلقه فى الدولاب. اخرج الى الصالة مرة اخرى. افرد صفحة الجريدة على الأرض،  وكما علمنى جدى وحتى احافظ دائما على نظافة الحذاء كأنه جديد، ينبغى تنظيفه عند دخولك المنزل مباشرة. التقط الحذاء واقلبه. افرك اسفله حذاء فى حذاء فتسقط الشوائب على صفحة الجريدة. التقط الفوطة الصفراء امسح الحذاء جيدا حوافه واطرافه ومحيطه. ثم اسفنجه التلميع، امررها على الجلد. انتهى من تنظيف الحذاء واضعه فى الجزامة. اتذكر شيئا. التقط الريموت ابحث عن قناة التت حتى وجدتها. سونيا ترقص.. اضحك متذكراً العبارة الخالدة "سونيا لا تذهب الى الكنيسة"، قصة قديمة انتهت بأزمة مع ابونا بولس، قد ارويها يوما ما لأبنائى. ينتهى كليب الرقص ويليه اعلان تايجر كينج.. ارفع صوت التلفاز.

تايجر كينج كريم
اقوى.. اسرع.. اكثر اثارة
وداعا للقذف المبكر ... وداعا للضعف العام ... اهلا بالرجولة الكاملة
يعالج القذف المبكر حتى خمسين دقيقة... يعالج الطول والحجم حتى خمس مرات اكتر ..
كما انه بيمتد لمدة 48 ساعة كاملة ... الحل الكامل للسعادة للطرفين.

تخرج زوجتى على صوت ضحكاتى المخلوطة بالرجولة الكاملة وتنعتنى" انت قليل الادب، إيه اللى بتتفرج عليه ده؟". تذكرنى " ما تنساش الفيزا يوم الاحد". اشترينا "كيتشن ماشين براون" جديدة لصنع العصائر وتقطيع الفواكه وخلط العجين وتقشير الثوم وفرمه بالفيزاو لابد من دفع اقساطها. "المانيا مش حنينة على عبيدك يا رب". تحيا القرصنة.

لا شىء حقيقى. كل شىء باطل وقبض الريح. لا تصدقوا. الحقيقى هو جسد سونيا وانحنائاته، صدرها الرجراج ومؤخرتها المستديرة، وافخاذها الممتلئة وبدل رقصها المتنوعة، شعرها الاسود الطويل وضحكتها العريضة وقسمات وجهها المثيرة..

لا تنتظروا ان يرسل الله لكم سيارة باجيرو. فهو لم يخلقها فى السبعة ايام الاولى.

لا تحبوا العالم ولا الاشياء التى فى العالم...
---
*جميع العبارات المكتوبة بخط مائل والمُسطرة منقولة نصا من عدد اخبار الادب الصادر يوم الجمعة 11 مايو.