-1-
By believing passionately in something that still does not exist, we create it. The nonexistent is whatever we have not sufficiently desired... Franz Kafka...
-2-
التحيات لك أيها الرب العظيم، رب العدل المطلق
لم أظلم إنساناً
لم أرتكب حماقة في مكان الحق
لم أتسبب في تعاسة
لم الوث ماء النهر
لم أغش في مقياس الأرض
لم أتلاعب في مثقال الميزان
فأنا طاهر، طاهر، وطهارتي مثل طهارة طائر البينو
من كتاب : الخروج الى النهار.. كتاب الموتى
فى رأيى .. لا يستطيع الانسان المصرى الحديث ان يكرر تلك العبارات بعد كل هذه السنين دون ان يشعر بوجع وثقوب فى الضمير.
-3-
تنظيم العائدون من الخليج
فى المسافة بين مصر الجديدة ومدينة نصر.. تستطيع ان تحكى القصة كلها. تروى فصولها ببطء وتتأمل نهايتها بكل مشاهدها.. فى المسافة بين البارون امبان ودكاكين ومقاه ومطاعم مدينة نصر، تسطيع ان ترى ما لم تره عين ولم تسمع به اذن ولم يخطر على قلبك اوعقلك.. فى المسافة بين مدينة نصر ومصر الجديدة، تستطيع ان تقرأ اسماء المحلات والشوارع ، تستطيع ان ترى الأرتفاعات والميادين، تستطيع ان تعرف ان تلك المسافة هى كل ما تبقى.
فى البدء، كانت مصر الجديدة.. امتداد عمرانى فى الصحراء اسسه البارون امبان صاحب القصر الذى لا تغرب عنه الشمس فصار مرتع لعبدة الشيطان.. بناها هذا البلجيكى بعد ان اعجبته مصر وخلط فى معمار مبانيها ما بين الحداثة الأوروبية والصناعة اليدوية الأسلامية مخلوطة بمسحة دينية مسيحية تتجلى فى كنائسها.. بناها هذا البارون فى زمن مصرى خالص واطلق على شوارعها وميادينها تلك الأسماء التى لم تزعج اذان المصريين بل صار ميدان سانت فاطيما والكربة وروكسى مخلوطاً بميدان الأسماعيلية والحجاز ، تحوطهم ميداين حدائقية – اذا جاز التعبير – يخترقها مترو هو علامة ما من علامات الزمن الجميل..( حتى الأن ممنوع على الميكروباص المرور بمصر الجديدة)..
فى الجانب الأخر من صلاح سالم، تقع تلك الغابة الاسمنتية التى تمتد من طريق "النصر" عابراً المنصة التى اغتيل عليها السادات ومن امام النصب التذكارى للجندى المجهول، تقبع مدينة نصر التى كان ترخيص مبانيها بأرتفاع اربع ادوار فصارت عمارتها شاهقة عالية .. سكنها هؤلاء العائدون من الخليج القادمين بنظريات المعمار الصحراوى البشع المخلوط بالمقاه ودكاكين التسوق ومحال الأحذية ، بشوارعها الجانبية الضيقة التى يخترقها سائقو الميكروباص صانعة تلك الضوضاء والازدحام المميز لذلك الحى الأسمنتى الذى يفتقد لأى حس جمالى وملىء بهولاء الذى ذهبوا الى هناك بحثاً عن مال، عادوا به معلنين عن بداية حقبة اسمنتية جديدة تغرق بمياه المطر اذا قررت السماء معاقبتهم.. لا عجب ان تبدأ مدينة نصر بمنصة الأغتيالات ماراً بسيارتك الفارهة الخليجية من امام النصب التذكارى للجندى ال"مقتول"..
ما بين مدينة نصر و مصر الجديدة .. تبدأ وتنتهى الحكاية .. و ما بين الزمالك والمهندسين "يعاد بناءها " ولا تنتهى الكلمات ولا الحكايات..
-4-
I am in chains. Don't touch my chains... Franz Kafka
-5-
انهيت التدوينة السابقة بكلمات تم صكها دينياً ويستعملها نشطاء الدولة المدنية بكثرة حتى ان بعض المظاهرات خرجت مستخدمة مصطلح "الحد الادنى للأجور" فى مقابل هؤلاء البنغال الأرخص.. لا يؤمن المصرى بأتباع الأجراءات ولا يعرف عنها شىء.. دائماً يبحث عن " واحد يخلص القصة دى".. هذا الكسل او الفشل فى تنفيذ الأجراءات والأعتمادية الكاملة على "شخص ما يخلص الموضوع" هو السبب فى حالة النتظار اللا-نهائى التى ييدور فيها المصرى حتى ان استخراج بطاقة انتخابية والذى لا يعتمد على شخص ما بل يتوجب على مريدها ان يرهق نفسه بالعمل !!، تتطلب حملة لدفع الناس لأستخراجها.. انتظار المخلص الذى لا يجىء ولكنه آت!!، انتظار جودو فى زمن ملىء بطواحين الهواء حيث الهامش هو المتن والقضايا الفرعية هى صلب الموضوع..
تلك الفلسفات الضخمة التى انتهكت كل شىء وجعلت كل شىء مباح قابل للنقد حيث تفتيت "الكور" او قلب الموضوع والهدف الى الاف القضايا الصغيرة التى تغرق فى تفاصيلها حتى تنسى الأصل، جعلت البحث عن مصطلح كالعدالة هو رهان الجميع دونما تطبيقه، الأسلامى والمدنى والعلمانى، الغنى والفقير والطبقة المتوسطة اصبحت فى صراع لا ينتهى، ثقافة العبد والسيد والمجتمع الجديد هى المسيطر وارتضاها الجميع ( انا فى القيود، ارجوك لا تلمس قيودى.. فرانز كافكا).. لا رغبة اذاً فى التحرر.
لا عجب ات تجد المجتمعات العمرانية الجديدة وقد وضعت اسوار حولها، لا الومهم.. فهم ياكلون اروجانيك فى حين ان الزرع يروى بماء المصارف، يشربون مياه معدنية فى حين ان ماء الحنفية مخلوط بالمجارى، المناطق الخضراء المحيطة بمنازلهم تقارن بعدد البرك الراكدة حول المناطق العشوائية، تلك السيارات التى ينتقلون بها هى بعدد الموظفين المحشورون فى اوتوبيس نقل عام، هناك فى مدارسهم يجلس الطلبة على كراسيهم للتعليم اما هنا فالغابة كائن حى يلد ويتكاثر.. فهل تلوم احد على ابتعاده؟ المسافة بين مجتمعاتهم والمناطق العامة العشوائية هى المسافة بين كوكب الأرض وكوكب القرود.. فى مصر لا يمكن ان تنجو الا اذا هربت الى هناك..
-6-
ما بين الماركسيين الذين يؤمنون بثورة دموية تبيد الجميع، وهؤلاء المنتظرون فى كسل عودة عبد الناصر . مابين هؤلاء محبى صلاح الدين ، والمداحون فى جمال الخلفاء. ما بين الساعين الى التنوير و المتأمركين والراغبين فى اوراق الهجرة.. ما بين الأصلاحين الجدد و الباحثين عن التراث.. تقع مصر الجديدة التى خلطت ما بين الحداثة الاوروبية والصنعة الأسلامية والمسحة المسيحية..
نحن لا نتمنى العدالة ولا نرجوها بما يكفى لتحقيقها.. فالكل يحمل عدالته، الأسلامى والعلمانى ، الليبرالى والتنويرى والمدنى، المسيحى والمسلم والملحد، المثقف والجاهل ، الغنى والفقير .. الكل يحمل وجهات نظره، الكل يحمل عدالته، الكل صك مصطلحاته وانتج افكاره والقى بها فى صراعاته، وكفى..
الم نخض صراعاً فكرياً حول المصطلح والمفاهيم والأفكار والتوجهات والأنتماءات والتيارات؟ .. الحمدلله...
الم نختلف ونتشاجر ونشجب وندين ونتطلع ونتهم ونُسجن ونُعتقل؟.. الحمد لله...
الم نتضامن ونهتف ونتظاهر ونسعى ونجد ونعمل ونكتب وننشر ونقرأ؟.. الحمد لله...
ماذا تريدون اكثر من ذلك؟
One morning, as Gregor Samsa was waking up from anxious dreams, he discovered that in his bed he had been changed into a monstrous bug… Franz Kafka
-7-
انت لا تستطيع ان تهتف بصوت صارخ فى البرية : "أنا أقمت العدل في بلد المحبوب مصر".. المصرى القديم نطقها وترك لنا حضارته شهادة على نُطقها.. اما نحن فلابد وان نشعر بثقوب فى الضمير..
"إنها لحياة مزدوجة رهيبة حقًّا لا أظن أن هناك مخرجًا آخر منها سوى الجنون".. فرانز كافكا
-8-
نهايات عديدة لنهاية واحدة
مهلاً.. هل كنت ترغب، عزيزى القارىء، بأن اقدم حلول فى تلك الرباعية لتلك الازمة الطاحنة التى تعصف بالأخضر واليابس فى مصر؟.. هل كنت تعتقد انى املك ترياق الشفاء والدواء المعالج للداء ؟ هل كنت ترغب فى أن اوضح لك الصورة او اكتب لك روشتة وفاتورة علاج؟.. اذا كنت ترغب فى ذلك .. فانت لم تفهمنى .. أنا لست جودو ولست " الشخص اللى حيخلص القصة دى ".. فانا لست رجل الأجراءات..
اذا كنت تبحث عن ذلك.. فقد نبهتك فى الجزء الاول بأن تغلق تلك الصفحات ولا تهتم بما هو مكتوب.. فما كتبته هو مقتطفات من كتاب"الخروج الى الظلام: كتاب الموتى" الذى يكتبه حدثاء المصريون واخبرتك انك ستجد ما لا يسعدك. فمن الافضل ان لا تعرف!!!...
I think we ought to read only the kind of books that wound and stab us. If the book we are reading doesn't wake us up with a blow on the head, what are we reading it for? ...we need the books that affect us like a disaster, that grieve us deeply, like the death of someone we loved more than ourselves, like suicide. A book must be an ice axe to break the sea frozen inside us... If the book we are reading does not wake us, as with a fist hammering on our skulls, then why do we read it?.. Franz Kafka
-9-
By believing passionately in something that still does not exist, we create it. The nonexistent is whatever we have not sufficiently desired... Franz Kafka...
تمت
------
كتبت بوحى من حملة " خللى عندك صوت "