" أنت عارف انك بقيت قُريب خلاص و حتتنقل للصف الأول , انت كبرت يا أبنى و محققتش أى حاجة من الى أنت عايزها , و أنت صغير كنت بتسمع عن الموت , كنت من الصف الرابع , عم والدك مات , خالة والدتك توفت , كانوا بعيد , ناس متعرفهمش , ناس بعيد عنك , مشفتهمش كتير .
و بعد كده انتقلت للصف التالت , جدك مات و جدتك , حضرتهم شوية , و حسيت بالفراق , كانوا بيحبوك و بتروح تنام عندهم , كنت صغير , بس فاكر الأحداث , بيتهم هو البيت الى كنت بتقابل فيه ولاد خالتك و ولاد عمتك , اول مرة تلعب مع بنت عمتك كان فى بيت جدك , ماتوا , حسيت بوجع جواك , صحيح مكنتش فاهم سببه , بس فى حاجة نقصت من جواك . مش فاكر الجنازة , بس فاكر أنك سئلت مامتك : هو إحنا مش حنشوف جدو تانى ؟ , و لما ماتت جدتك , كنت بتحبها علشان بتخرج معاها و تجيبلك حاجات حلوة . كرهت أبونا و كرهت يسوع , فاكر لما سئلت مامتك : هى تيته راحت فين ؟ و جاوبتك : راحت عند يسوع , قلتلها : انا بكره يسوع , علشان اخد تيته و سابنى لوحدى هنا .
انت بتضحك لما تفتكر الحاجات دى , كنت فى الصف التالت , لسه بعيد , صغير , كل حاجة بتتنسى , بتسيب أثرها طبعاً , ذكريات جميلة , بس انت كبرت دلوقتى , عارف يعنى أيه كبرت , كنت صف تالت و حتنتقل للصف التانى , ابوك و امك كبروا , عدوا الستين , و السبعين , و قريب حتلاقى المسئولية فى وشك , و كبيرة عليك , انت دلوقتى مش حاسس , زمان لما حد بيموت, كنت بتروح الجنازة مع أبوك , و تسلم و تعزى بالليل فى القاعة و تروّح , تحزن شوية و تنسى , لكن دلوقتى , ممكن أبوك يموت قبل عمك أو امك تموت قبل خالتك , و انت الى حتنزل تحجز الكنيسة , أو تقف بالليل فى القاعة تستقبل العزى , أنت لسه مجربتش , لما تروح لطواف أو عزيز * علشان تنقى الصندوق و الصليب , و الورد , حتطلع فلوس من جيبك , ممكن تبقى امك اللى ماتت , تخيل معايا , بتطلع فلوس من جيبك لسواق العربية الى حتروح تدفنها , او تنزل مع صديقك و أنت منهار , تنقى لوالدك الى لسه ميت الصندوق , تخيل كده و انت واقف و الدموع بتنزل من عينيك و مسنود على كتف صديقك بتنقى صندوق أبوك , و تقول للراجل : لأ ده كبير , لأ ده صغير , عايزه أعرض شوية ... بتدور على مقاس جثمان أبوك , تخيل نفسك و انت بتدفع إكرامية للى حيشيلوا الصندوق , إكرامية تخيل , تيبس للى حيدفنوه , و تقف تستقبل العزى على باب الكنيسة . حتروح الترب , ايوه , متستغربش , علشان انت الى معاك مفتاح التربة بتاعة العائلة , حتروح علشان تفتحها , علشان تدفن امك و تشيل الصندوق كمان و تنزله فى التربة الى أنت فاتحها الصبح , و ترجع على الكنيسة فى القاعة , و تخدم الناس و انت مش عارف الناس الى جت و لا حتى بيعزوك ليه , و لا بيقولوا إيه ؟ , كله حيتم و انت مش فى وعيك .
انت صف تانى , دى مسئلة وقت و حتلاقى كل أهلك , ابوك و أمك , و عِمامك و خالاتك , ماتوا , دى حاجة أكيدة . أنسى كلام الضحك على الدقون بتاع " بعد الشر عنهم , و طولة العمر ليهم , و ربنا يجعل يومى قبل يومهم , و متقلش كده على أهلى , فال الله و لا فالك , متفَوّلش عليهم " , كل ده هبل و ما يسواش حاجة , دى حقيقة ... كلنا حنموت , حيموتوا قدام عنيك , حتشوفهم و بأيدك حتدفنهم , و ممكن تبقى الحكاية مش سهلة , أدعى إنها تبقى سهلة , أنت ممكن تشوفهم بيموتوا ببطء و بيتعذبوا فى موتهم , و بيعذبوك معاهم و مش قادر من جواك تتمنى موتهم , رغم أنك عارف انهم كده كده حيموتوا , أبوك و أمك , ممكن يكون حد مشلول , عنده القلب , عندها السكر , الضغط , الكبد أو الكلى , أو حتى المرض الوحش , مش عارف يخش الحمام , مش عارفه تنزل من على السرير , مش قادر ياكل , و ده ممكن يحصلك برضه , صلى و ادعى أن يكون يومهم سهل و يموتوا موتة ربنا على سريرهم , بدل ما يتعذبوا فى موتهم و يعذبوك معاهم , حيموتوا كده كده , بس الطريقة مهمة برضه .
و تترقى يا عم و تبقى صف اول , يبدأ عدك التنازل , بتقترب من الموت بخطى ثابتة و اثقة , كلنا رايحيين , كلنا حنموت , بس أدعى يبقى يومنا سهل برضه و بتاع ربنا , الموت موت , دى حاجة أكيدة , متخفش , مفيش مهرب , و الموضوع و لا هو جد و لا تهريج , ده زى شرب الميه , حاجة طبيعية , لازم حتشرب . لما تبقى صف أول حتستريح , حتتعامل مع الدنيا بأكثر سعادة و رحابة , حتبقى سعيد حتنبسط , أنت بتكبر , و كل ما تكبر كل ما من جواك حتصفى أكتر , انت بتاع كنيسة و بتصلى , من جواك حتبقى مستريح , حتشوف ولادك و حتربيهم , و يمكن تشوف أحفادك , فاكر الحفيد , صف تالت , افتكره و أنبسط معاه , كنت زيه قبل كده , صف تالت , بس ربنا كرمك و بقيت صف أول , و هو جايلك فى السكة , حيكبر و حيقرب منك , ده عمر , مش تهريج , و الدنيا مش حتقف , و لا العمر حيقل , و لا أنت حتصغر تانى , ابوك و امك حيموتوا , و انت حتموت , و ابنك حيموت , و حفيدك حيموت , كله حيموت , متزعلش , و لا تضايقك , أنت راجل مؤمن , و المؤمن ميزعلوش الموت و لا يخوفه , و لا حتى الملحد و لا الكافر , لأن كله حيموت , ميغركش الى أحنا فيه دلوقتى فى الدنيا , ده تهريج , أخرها متر فى متر , كفن و صندوق , و تربة و مفتاح و دموع , دى ثوابت زى ما قلتلك , لو حتعرف تبطل تشرب ميه , يبقى ممكن تبطل تموت .
صف أول يعنى راحة , عارف ليه حتستريح ؟ علشان أنت الى حتموت .. مش حتشيل هم موتك , صف أول يعنى غيرك هو الى حيزعل عليك , غيرك حيشيل همك , غيرك هو الى حيدفنك , حد تانى حيشيل المسئولية , ما أنت شيلتها برضه , شفت الدنيا أزاى ؟ , زى ما شيلت أنت غيرك حيشيل , زى ما غيرك مات أنت كمان حتموت , كلنا حنموت , ربنا يرحمنا جميعاً , ربنا يرحمنا , قول أمين "
===========
* طوّاف و عزيز : محلات بيع صناديق الموتى و تأجير سيارات الدفن الخاصة بالمسيحيين .