Saturday, May 29, 2010

عزازيل


عزازيل 1

البلاى-أستيشن

---

اُدخل الى احد الكافيهات الجديدة المنتشرة حديثاً بمصر الجديدة او مدينة نصر، تجده يجلس على منضدة مستديرة، يمسك الكتاب بيمنيه و لىّ الشيشة بيساره. من وقت الى أخر، ينزل الكتاب من امام وجه فيظهر شعره المصفف بعناية و النظارة ذات الماركة العالمية. تختلط ملامحه بالدخان المنفوث من الشيشة فتنتشر رائحة الخوخ او الكانتالوب فى المكان، ينظر من خلف الكتاب الى مدخل الكافيه ثم يلتفت الى يديه يلمح الوقت من ساعته التيسوت كأنه منتظر احدهم. يرفع الكتاب مرة أخرى و يقربه من وجهه ليعاود القراءة. بعد فترة ليست بالقليلة، ينزل الكتاب ببطء على المنضدة و يضع الفاصل الكارتونى المقوى على الصفحة التى كان يقرأها حتى لا يفقدها. يلتقط بخفة فنجان الموكا بالهازلنت الموضوع امامه، يلمح بنظره الباب فيجد صديقه المتأخر يدخل من الباب حاملاً فى يده كتاب. يقترب من صديقه المنتظر، يلقى عليه السلام، فيرده و يسئله عن أسم الكتاب فيجيبه " عزازيل". يضع الكتاب على المنضدة و ينادى الجرسون ليطلب مشروبه المفضل و يتبادلا اطراف الحديث عن البورصة و البنات و شاليه العين السخنة و رحلة شرم التى أقترب موعدها..

--

فى هذه الأجواء التى نعيشها و نتفس من هوائها, فى تلك العولمة التى جعلت كل شىء قابل للأستهلاك، صارت القراءة هى الاخرى من السلع الأستهلاكية. اصبح القارىء الجديد يستهلكها كجزء من الوجاهة الاجتماعية، كأى سلعة اخرى تدخل فى بند الرفاهية. فالكتاب أصبح اكثر فخامة و شياكة و ورقه اكثر لمعاناً و الطباعة كما يقال فاخرة، و لا يتحصل على ثمن الكتاب الا المقتدر. هذا القارىء الجالس على الكافيه، الذى يحمل فى يده اليمنى كتاب و فى الاخرى لىّ الشيشة، لم يعد يهتم بالمحتوى فقد تحول فعل القراءة الى مجرد نوع من انواع التسلية و تقضية وقت الفراغ، حيث الكتاب لا يخاطب القارىء المثقف بل الفئة التى تسعى كى تكون مثقفة كجزء من عملية الأستهلاك التى تمارسها، يخاطب الفئة القادرة على شراء الكتاب و رفع نسبة مبيعاته و تحويله الى "بست سيلر"!!.

القراءة ليست لعبة مجانية، ليست هواية نلجأ إليها أثناء السفر، أو نحن نشاهد التلفاز، القراءة نشاط ذهني واع. تختلف القراءة من شخص إلى آخر، هذا الاختلاف يعود إلى القارئ و درجة وعيه بالقراءة – أي بالنص المقروء - إن القراءة فعل واع، متأن، مصغ. إنها القراءة التي تغير الذات ، التي لا تستسلم للنص، بل تدخل معه في حوار، باحثة عن مفاتنه، عن تميزه، عن دلالاته المتعددة، وتأويلاته اللا-نهائية، عبر مختلف العـصـور ذلك هو سر خلود الأثر الأدبي.....

قد ترى ان فعل القراءة نفسه قد يكون وسيلة ما للمعرفة و ان الكتابات الجيدة هى وسيلة ترتقى بالذوق الأنسانى، حتى لو كانت قراءة عابرة.. لذا أسئلك عن البلاى-استيشن

هل تعرف ما هو البلاى-ستيشن ؟

البلاى-ستيشن هو وسيط من وسائط الالعاب مصنوع بأفضل التقنيات الألكترونية الحديثة، يبث صورة ثلاثية الابعاد لكل انواع الألعاب التى تريدها سواء كرم القدم ( وينينج الفن) حيث تشاهد الفرق مجسمة امامك على شاشة التلفزيون، و يوجد منه " الويى" الذى يستغل تقنيات " السيميوليتور "- "المحاكى", حيث تنتقل الحركات من جسمك عن طريق وسائط النقل الالكترونية فتجدها على الشاشة. هذه التقنيات الحديثة التى تلهب عقول الأطفال و تجعلهم يتسمرون امام الشاشات, استخدمت فقط للتسلية و لملء وقت الفراغ أى بكل بساطة صنعت " لتضييع الوقت "، رغم انها تعد من اعلى التقنيات الحديثة المتطورة. و هو بالضبط ما ينطبق على صناعة الكتاب الحديثة، حيث يقدم الكتاب فى أفضل صورة من طباعة و تغليف و ورق و لكنه يقدم فقط للترفيه و ملء الفراغ، على الرغم من الجهد المبذول فيه من لغة و بناء و سرد و لكنه – كالبلاى-استيشن- تقديم أفضل ما يمكن تقديمه لصناعة الترفيه لمن يستطيع الأستهلاك فكما ان سعر البلاى-أستيشن مرتفع لا يقدر على ثمنه الا من يستطيع، هكذا الكتاب أيضاً.

فالكتابة الجيدة اخذت من المحيط الذى ينتجها وسائلها و ادواتها. فالنص هو نتاج الثقافة التى انتجته و فعل القراءة هو عملية تبادل بين المنتج (النص) و الوعى و الرصيد المعرفى للقارىء حيث يمكنه سبر اغوار النص و قراءته قراءات مختلفة تغوص فى اعماقه و تؤهله لأعادة بناءه النص مرات متعددة و قراءة دلالاته بصيغ مختلفة فيخرج منه كل مرة برؤية جديدة للعالم.

و لان الكاتب الجديد يبحث عن " البست-سيلر" بين يدى قارىء يحمل كتابه باليد اليمنى و مج النسكافيه باليسرى، لذا فقد ابتعدت الكتابات الجديدة عن وضع ملامح و اعماق للشخصيات و هربت من الترميز و التجريب و التحديث و الواقعية الملموسة و تطوير شكل الرواية، بل اقتربت بشكل كبير من المباشرة و السطحية و الواقعية المبتذلة التى تثير و تجذب هذا القارىء الأستهلاكى الذى يقرأ عن تلك العوالم الغريبة عنه كأنه يقرأ فانتازيا سوبر-مان (عوالم العشوائيات كرواية" فاصل من الدهشة "، او فضائح المثقفين و حكايات اولاد الشوارع كرواية" تغريدة البجعة")*..

كمثال: فى عمارة يعقوبيان، رواية الأسوانى الشهيرة، اقتربت الرواية من الواقعية السطحية و المباشرة الشديدة حتى ان احد الشخصيات المهمة فى الرواية و المفروض انه " محاكاة للواقع" حمل أسم "كمال ال..فولى"!!!. و ابتعدت عن الترميز كرواية ثرثرة فوق النيل او عن التجريب و التجديد ك"ذات" صنع الله أبراهيم او قراءة الحاضر بالتاريخ ك" الزينى بركات " للغيطانى، او حتى خلط الاسطورى بالواقع بالدينى كاولاد حارتنا، او حتى واقعية أدريس.

أما رواية زيدان " عزازيل" حيث تُقَدَم الرواية بها الخلطة السحرية التى تجذب القارىء الجديد "جنس و سياسة و عنف و دين" محملة بوجهة نظر المؤلف و وردت على لسان الأبطال تنتصر لوجهة نظر و عقيدة الاغلبية ". تلك الرواية مصنوعة بتكنيك روائى عالى حيث تبهرك اللغة و يجذبك البناء و يدهشك تطور الأحداث و تتامل وقائع من التاريخ ربما لم تسمع عنها و لا تنسى ان تتسلى ببعض مشاهد الجنس فتصير بتلك الخلطة كالبلاى-استيشن جزء من عملية ترفيه كبيرة و ألهاء منظم و وسيلة لتضيع الوقت مصنوعة باعلى المواصفات التقنية مستخدمة افضل وسائل النشر من شياكة و طباعة و تغليف.

العلاقة بين الكاتب و القارىء.

بين حفلات التوقيع التى لا تتوقف و بين طباعة الكتب التى لا تنتهى بأسمائها العامية الغريبة المبتذلة السخيفة و تلك المكتبات الحديثة التى انتشرت مؤخراً بفروعها الكثيرة و التى تقدم مشروب ساخن و مقعد و تكييف و تُسلم لك الكتاب عند باب المنزل و كلها جزء من عمليات استهلاكية عولمية و وجاهة اجتماعية تعطيه مظهر المثقف الذى يرتاد بأستمرار تلك المكتبات ما بين نقاشات ساخنة( نسبة الى المشروب و ليس النقاش) و حفلات التوقيع لكل كتاب يصدر حتى لو كان بعنوان " جوز امك يا مصر "، نقف عند القارىء:

فالقارىء، كما نعرف، يقرأ النص حسب الأهتمامات و المرجعية التى تخصه او حسب ثقافة و مرجعية الجماعة التى ينتمى اليها. اما الكاتب الذى ينتج النص باداوته و يصيغ العالم بلغته الخاصة و منظوره الشخصى و برؤيته الثقافية التى تنبع من المجتمع المحيط به، عينه على القارىء ليصنع البيست-سيلر. و بالتالى القارىء الذى يقرأ النص بحسب مرجعيته و رصيده المعرفى، الشيشة و الكافيه و البنات و العين السخنة، لا ينتظر رموزاً و لا تجريباً و لا خلط التراث بالواقع و لا التاريخ بالحاضر و لا الدينى بالأسطورى و لكنه يريد ان يكون مثقفاً كأنها موضة عصر**.. هو فقط ينتظر الخلطة السرية. فالقراءة الواعية ترتبط باستعداد القارىء و هذا الأستعداد تحكمه شروط الثقافة العامة و المرجعية و الزمان و المكان ( و ما اعمق تلك الشروط فى زماننا الحالى!!!!!) ، حيث ان قراءة النص تتطلب قراءة متأنية متعمقة تسبر اغوار النص و تكشف عن طبقاته و أعماقه عن طريق طرح اسئلة كبرى يبحث عن اجابتها القارىء القلق الشغوف المهموم بالواقع و حاضره و يشتبك مع قضاياه الأنسانية الكبرى!!!!.. (هل تتوفر تلك القراءة الواعية فى صناع البيست-سيلر؟..)

هذه الرواية، بهذه الطريقة، تقدم لقارىء محب للكومبو لارج من ماكدونالدز و يؤمن بثقافة التيك-اواى. هذا القارىء سينهى الرواية و يضعها جانباً و يكتفى بالمعلومات التى قدمها له الكاتب. لن يرهق نفسه بالبحث عن التاريخ و الوقائع و الاحداث و يتحرى صدقية النص و الخلفية التاريخية للاحداث و التطور البشرى و الانسانى و الفلسفى و الفكرى منذ تلك الحقبة حتى الأن، بل سيتخذ من كلمات الكاتب وثيقة تاريخية دون مراجعة التواريخ و الاحداث و الشخصيات. هذا القارىء – كما قلنا – لن يقرأ بعمق، و لا بوعى ، و لا بتأن, بل سيستهلك الكتاب كما يتسلى بالبلاى-ستيشن، لأنه كما سمع، هذا الكتاب يثير ضجة. ( و النموذج المثالى لهذا القارىء هو الانبا بيشوى الذى أعلن بكل وضوح انه لم يقرأ الرواية بالكامل لأنه يحتوى على بعض المشاهد الجنسية كما سمع).

هذا القارىء هو من صنع اسطورة عزازيل، البعض حول هيباتيا الى شهيدة التاريخ و حدث الحقبة المحورى حيث العنف يظل عنف!!. و اخر، يحب الفضائح الدينية او من الاصوليين، اعلن بكل وضوح أن يوسف زيدان هو فاضح الكنيسة و كاشف اسراراها لأنه ارتجت و ثارت امام هذا النص. و أخرون (و اخص بهم الكنيسة) اعلنوا بكل وضوح ان الرواية تنتهك عقيدة الأقلية و تدافع عن صف المهرطقين أعداء الكنيسة، يتلقف هذا الكلام محبى الفضائح ليزدوا من الأثارة فترتفع المبيعات و يتحول زيدان الى شهيد يواجه بطش الكنيسة، و فاضح للمسيحية.

استثمر السيد يوسف زيدان هذه الضجة و اتحفنا بكتابه " الاهوت العربى و اصول العنف "، لتكتشف عزيزى القارىء طرق صناعة " البيست-سيلر"..

فماذا قُدّم لنا فى هذا الكتاب؟

---

* ليس معنى ذلك ان تلك الروايات سيئة و لكنى اتكلم عن كيف يقرأ القارىء النص و ما هى مناطق اهتماماته به و ما الذى يجذبه الى قراءة تلك النصوص.

** فيلم " عسل أسود" هو النموذج المثالى للعبة " خليك مثقف بأبسط المجهودات و بأسرع الوسائل".. حنخيلك مثقف بس أتصل بينا .. اتصل بنا تصلك الثقافة حتى باب البيت!!!!!!!!!!!!.

Tuesday, May 04, 2010

رحيل


رحل الولد الشقى

سلام يا كبير

الوداع يا أحلى و اهم كاتب ساخر ظهر فى مصر

---

سلام ايها الولد الشقى

Monday, May 03, 2010

ع-ق-ل

-1-

اما ما يجعلك حزيناً فعلاً هو السؤال الدائم: كيف يفعلونها ؟. وهو سؤال يدل على ان شىء ما يسير فى الأتجاه الخطأ ويجذبنا معه الى أسفل.

-2-

الموبايلات الصينى هى ما جعلتنى اتأمل الوضع. الموبايل الصينى, يا بنى أدمين, به كاميرا أمامية و اخرى خلفية و ذاكرة ضخمة و شاشة عريضة و يعمل باللمس و به أريال أستقبال تلفزيونى و 6 سماعات ستيريو و فى حجم الكف. هناك انواع منه بها مكان لخطين و ليس لشريحة خط واحدة ( رخص ثمنه جزء من مخطط أقتصادى تتبعه الصين حيث تتعمد تخفيض قيمة عملاتها كى تنافس فى الأسواق, و حسب بعض التقارير الأقتصادية, لو رفعت الصين قيمة عملتها الى قيمة السوق سترتفع أسعار منتوجاتها و سيقل حجم صادرتها, و انا هنا لا أتكلم عن الأثمان و الأسعار ).

ثم جاءت السيارات الصينى لتزيد الطين بلة و الهبل عبطاً و الغباوة بمزيد من التخلف, فالسيارة الصينى, على الرغم من رداءة بدايتها, الا انها فى تطور ملحوظ و بها جميع الكماليات, بدأت فى مصر بالسيارة " الشيرى " و " الجيلى " و انتهت بالجيل الجديد من الأسبيرانزا التى عالجت كثير من العيوب ( انتشار تلك السيارات فى الأسواق المصرية والأقبال على شرائها, يزيد من حجم تدفق الأموال اللازمة لتطويرها, و هو ما حاولت مصر فعله مع السيارة رمسيس و لكن سوء التسويق جعلها مسخرة السيارات ).

الى أن اشتريت كمبيوترى المحمول الجديد, دِل, الصيــــــــــــــــــنى, كل مكوناته صيــــــــــــــــــــنى !!!. حتى المازر بورد!!!.

-3-

اتذكر منذ أيام الدراسة, مصطلحان , الأول اخذناه فى العلوم و الأخر فى مادة الكمبيوتر , الأول هو " fuite des cerveaux " بمعنى هروب العقول , و الثانى هو " un-exported technology " بمعنى تكنولوجيا غير قابلة للتصدير . الأول يقرر أن من ضمن تصنيفات دول العالم الثالث هو عدد العلماء " الخارج منها " الى الدول الصناعية الكبرى مقارنة بعدد من بقى بها, أما الأخر فهو يتكلم عن أن هناك بعض الدول او اغلبها يتعامل مع ما ينتجه من تكنولوجيا على انها اسرار, و ما يجوز تصديره هو المنتج النهائى الذى يحتوى على تلك التكنولوجيا. أى بكل بساطة يجوز تصدير اجهزة لابتوب الى العالم أجمع و لا يجوز تصدير طرق تصنيعه , يجوز تصدير مكوناته كقطع غيار و لكن لا يجوز تصدير ماكينات تصنيع قطع الغيار. ( نموذج بسيط لما أقوله , بعض اجزاء المايكرو-شيب الموجودة بالمازر-بورد بأجهزة الكمبيوتر, تصنع بالكامل فى اليابان و تُصدر الى الولايات المتحدة الأمريكية لتركيبها مباشرة على المازر-بورد دون معرفة طريقة تصنيعها )... الى أن جاءت الصين و فعلت ما ذكرناه.. شكراً.

و هو ما يجعلنا نتساءل هل تسربت التكنولوجيا اليهم أم تجاويف عقلهم الكونفوشى قد الهمتم طرق التصنيع و وسائله ؟.

-4-

على الجزيرة الوثائقية, عُرض برنامج مصور عن ما تفعله الصين فى افريقيا. اتفقت الصين مع احدى الحكومات الأفريقية ان تستخرج بعض المواد من باطن الأرض لصالحها ( و هى المواد الأساسية فى تصنيع الدوائر الألكترونية و أجزاء السيارات ) , على أن يكون هذا احتكاراً صينياً لن تدفع مقابله نقود!!, بل تساعد الصين تلك الدولة الأفريقية الفقيرة النامية .. كيف تساعدها ؟ .. مقابل هذا الأحتكار, ستقوم الصين بشق الطرق و الكبارى و اعادة انتاج شبكة الخدمات الوطنية ( من صرف و مياه شرب و مستشفيات و مدارس) و لكن بأيدى صينية ( كل العاملين فى هذه المشاريع من المتدربين الصينين )..

ترسل الصين الى تلك الدولة كبير مهندسين و معه عشرات من المهندسين سواء الخريجين الجدد او الطلبة فى السنة الأخيرة من كليات الهندسة ( تخيل عزيزى, المهندس, لما يكون مشروع التخرج بتاعك, مشروع حقيقى بيتنفذ على ارض الواقع, مش كتابات نظرية او صناعة معامل,, بمعنى اخر ليس model بل prototype ) .. اما المقابل المدفوع لهؤلاء المهندسين فهو شهادة التخرج و قضاء فترة تشبه فترة الخدمة الوطنية و الاكل و الشرب فقط. بالنسبة للخبراء فهم فقط الذين يتقاضون مرتبات ( خبراء صينيين برضه, احسن تفتكر خبراء اجانب و لا حاجة , ما انا عارفك مصرى و مخك اول ما يسمع كلمة خبير , يروح علطول على الغرب ).

-5-

هل تعلم عزيزى المتنور الحداثى , صاحب لامركزية النص, حيث كل قراءة للنص هى قراءة مغلوطة, ان كلمة " عقل " مكونة من ثلاث حروف هم " ع – ق – ل ", اذا قمت بتبديلها وتوفبقها مرة اخرى, تحصل على شتيمة انتجتها القريحة المصرية تفيد بأنه " واد لِوِن و مش بتاع شغل و تصرفاته مش قد كده"... ( واخد بالك من "مش بتاع شغل دى" ؟ )

لا أعلم ما الداعى لهذه الملحوظة و لكنها ملحوظة فقط تستحق التأمل.

-6-

بغض النظر عن ان بروتس قد طعن مليكه بالخنجر فى ظهره, و ان كل ما انتقل من كتابات ميلان كونديرا الى كتابات ادباءنا الشبان هو كلمة " خراء " و أن المشهد الأفتتاحى لرواية فاصل للدهشة هو مشهد تبرز احدهم فى منطقة عشوائية و هو يجلس مقرفصاً على قالبى طوب فى احد الأكواخ الصفيح و كيفية خروج البراز من مؤخرته السعيدة الممتلئة خراء نتيجة اكل الكبدة من أحدى العربات, فاننا لا نكن أى عداء لأى شخص . بل نعمل على تواصل الشعوب ونسعى الى بناء الجسور المعرفية واواصر الصداقة وهدم الحاجز النفسى, محاولين بكل هذا التطبيع مع الصديق الفلسطينى الذى نكن له كل مودة.

تكتب نوارة نجم فى مقالتها بالدستور, نقلاً عن الخبير الأقتصادى الدكتور احمد النجار, عشر طرق نستطيع بهم توفير 40 مليار جنيه او اكثر لرفع الحد الأدنى من الأجور فى القطاع العام ( و هو ما سيرفع, بالطبع, اجور القطاع الخاص و تقليل هامش الربح, يعنى بكل بساطة رفض رفع الاجور يا مواطن منك له, سببه القطاع الخاص و ليس الحكومة بالمعنى العام الواسع ). ينهار الأقتصاد العالمى فتتدخل الصين لشراء أكثر من 300 شركة امريكية و يتحول الانتاج الى عولمى بحق فبينما يشترى الأمريكى تى-شيرت قطنى كُتب عليه Made in Egypt , يشترى المصرى نصف دستة قمصان من العتبة او من بورسعيد ثمنها 50 جنيهاً كٌتب عليهم صنع فى الصين باللغة العربية ( 6 قمصان ب6 الوان ب50 جنيه ). و هو ما يوضح لنا بكل بساطة لماذا يشتكى سوق وكالة البلح, اللى بيشتغل فى المستعمل, من الصينى !!!.

رن جرس الباب, فتحته لأجد أمامى شاب صينى يبتسم فى وجهى, يخبرنى بكل بساطة انه حلاق صينى و يريد ان يربى زبون !!. اضاف انه يمر على جارى اليوم الرابع من كل شهر يحلق له مقابل خمسة جنيه , فلما ابديت تخوفى من الأدوات المستعملة, اخبرنى, كأى بائع يريد ان يربى زبون, ان المرة الأولى فقط ستكلفنى 15 جنيه ثمن المقص و ماكينة الأمواس و التى سأحتفظ بهما كأداوت خاصة استعملها انا فقط فى كل مرة حلاقة !!!... أحكى القصة لأحد اقربائى, يقطن بمصر الجديدة, فيطلب منى نمرة هذا الصينى, ليمر عليه. ( عرفت بعد ذلك انه اخد عمارة قريبى كلها مقاولة , الصينى و زوجته , هو بيحلق للرجالة ب10 جنيه غير انه يبيع لهم المقص و ماكينة الأمواس , و زوجته معاها كتالوج تسريحات الشعر للزوجات )!!!!!.

خراء, خراء يعنى.. شكراً ميلان كونديرا.

-7-

ما بين العقولية العربية و العقلية الصينية, يقف سيزيف متحيراً. يمصمص شفتيه و يمتعض بشدة. ينادينى و هو يدفع الصخرة امامه, ايدك معايا يا كابتن. اهرول لندفع الصخرة, اسندها بيدى. يرفع يده عنها فأتحمل ثقلها بمفردى. يجلس على الأرض, يخرج علية سجائره الصينى و يشعل واحدة و هو يبصق: ربنا يتوب علينا من الشغلانة الخرا دى و اوامر سى زفت زيوس. انهيه عن هذا الكلام حتى لا يسمعه طائر الرخ فينقل الأخبار الى جبال الأوليمب. يخبرنى ان الصينى الذى يحلق له هو واخوه هرقل, لا يدفع ضرائب ولا تأمينات ولا أنارة ولا إيجار محل وبالتالى مصاريفه اقل من مصاريف حلاق بغداد لذا فهو يفضل الصينى. ينهى كلامه و ينهض, ينفض يده, استعنا على الشقا بالله. ندفع الصخرة الى أعلى الجبل حتى نصل الى قمته فتسقط مرة اخرى الى السفح. يتنفس الصعداء و يزفر زفرة حارة, الحمد لله, لقينا شغل بكرة. اتركه و ارحل متمتماً, مش ناقصة مجانين .

لا أحلق عند الرجل الصينى بالطبع و ان كان أرخص, لأنى افضل الحج سعيد, فهى عشرة عمر كما يقولون , صحيح ادفع 3 أضعاف ما يأخذه الصينى و احضر أيضاً ادواتى ( فنحن فى عصر الC ) و لكنى ارتاح اكثر للمصرى.

لما يبقى عندك عيال و مسؤوليات حتعرف نعمة الصينى وفوائد الصينى. هكذا يخبرنى صديقى فى أحدى الجلسات. اللعبة يا محترم , ابنك حيكسرها, فليه تشتريها غالية لما عندك الصينى؟. سؤال يحمل اجابة مقنعة لكل راغبى التوفير ( او لست انا منهم ؟, لا أعرف اذا كنت عزيزى المواطن من راغبى التوفير ام لا). طيب ليه ما نصنعش اللعب فى مصر؟، اسئله. يمد يده ليعطينى سيجارة و يكمل كلامه و هو يشعلها لى, يا ابنى الولاعة بتتملى غاز بجنيه و الولاعة الصينى فيها غاز و بطارية صغيرة تنور بالليل ب50 قرش, نصنع إيه ؟. خليك عولمى.

يسافر صديق لنا كل فترة الى الصين ليحضر كونتينر مملوء بكافة مستلزمات المنازل. من ملابس و لعب و شنط و أحذية و اقلام و مساطر حتى الولاعات و كماليات السيارات. يعرض تلك البضاعة فى منزله لمن يريد الشراء و كلها كما نقول ماركات signee, تحصل عليها من المصانع التى تصدرها الى دول العالم الأول و الثالث. هل تعلمى يا صديقتى ان الشنط ال Kelvin Klein الoriginal التى تباع فى مصر ب400 او 500 جنيه تستطيع ان تتحصلى عليها بما لا يتعدى 70 جنيه من نفس المصنع الذى يوردها الى محلات سيتى ستارز ؟. ظننت ان صديقى هذا قد اكتشف اكتشافاً عظيماً و فتح فتحاً مبيناً, و لكنه اخبرنى بكل بساطة ان ما يفعله هو, قد سبقه اليه كثيرون و ان فكرة المعارض المنزلية قد انتشرت فى مصر انتشار النار فى الهشيم. ربنا يخليلنا الصين, هكذا اخبرتنى زوجتى وهى تنتعل صندلها الجديد ذى ال60 جنيهاً ( صندل موضه جديدة به خلخال ) يباع فى احدى المحلات ب1170 جنيه !!!.

خراء, خراء يعنى ... شكراً لأدبائنا الشباب الذين نقلوا لنا تلك الكلمة من ميلان كونديرا.

-8-

لا احاول ان اجبر حلاق بغداد على ان يطفىء النور اثناء الحلاقة حتى يخفض من مصاريفه او صناعة نظرية اقتصادية تتبنى الخلخال و البطارية و لعب الأطفال كأدوات تحليل او منع المسلمين من السجود على سجادة صينية و المسيحيين من تعليق صلبان صينية او حتى امنع الشباب الذى يسعى الى الزواج من تقديم شبكة صينى.

بل أتركهم و اتوجه بكل غضب الى التنين الصينى الذى لا يكف عن نفث نيرانه فى اسواقنا و انذره بأن يكف عن ذلك و الا ستكون العواقب وخيمة. يضحك التنين نافثاً نيرانه فى وجهى, أتراجع خطوات الى الخلف حاجباً وجهى بيدى, يرفرف بجناحيه بشدة فيسقطنى الهواء على الأرض. انهض من مكانى, احاول مسح ملابسى التى اتسخت فأجد نفسى عارياً و ملابسى يحملها التنين بقدميه تاركاً التيكيت فقط ملصقاً على جلدى و قد كُتب عليه بلغة عربية سليمة " صُنع فى الصين ". اسمع صفيراً شديداً فألتفت الى الصوت, اجد سيزيف يشير الىّ, ينادينى, ايدك معايا يا كابتن. اتجه اليه فى صمت مملوء بالخجل, اطلب منه ان يجلس لأنه شقيان, و ابدأ بمفردى فى دفع الصخرة الى قمة الجبل لاعناً زيوس و اوامرة الغبية و لكنى اصمت و لا اكمل لعناتى و سبابى عندما المح طائر الرخ. اصل الى القمة فتسقط الصخرة الى السفح حيث يجلس سيزيف يدخن سيجارته. ينهض و يصرخ بأعلى صوته, استنى بقى لغاية ما أطلعلك بيها تانى , علشان لما تقع, ننزل سوا نجيبها و تحكيلى قصة تدوينتك عن الصين اللى حتكتبها على اللاب-توب ال دِل بتاعك. انتظره جالساً على القمة, اسلى نفسى بلعبة التباديل و التوافيق محاولاً صنع كلمات جديدة مستخدماً ثلاث حروف فقط " ع-ق-ل".