1-
نضال الجبنة بقوطة
ثم جلس الدكتور على كرسيه و أعلن لنا بكل بساطة : " احنا لازم نكون بنفكر أكتر من كده , نظام مبارك لو حيقع لازم نسانده , لغاية ما ندرب الكوادر اللى عندنا على العمل السياسى و كمان لأنه لو وقع دلوقتى حيبقى بديله " الاخوان " و احنا مش عايزين الاخوان , يبقى ما ينفعش نزق النظام قوى و فى نفس الوقت منقدرش نسكت على الظلم !! " ..
كنا نجلس فى مقر حركة المعارضة الشهيرة و كان معى صديقىّ اللذان تعرفت عليهما من منتدى الحركة على النت حيث كنت اكتب بأنتظام . تعرفت عليهما فى أحدى إفطارات رمضان التى اقامتها الحركة .
رن جرس الموبايل , سمع الدكتور الخبر و ضحك و قال " عملها تانى , اهو ضرب عسكرى و كسر سور الكنيسة اللى قدام نقابة الصحفيين , مش حيبطل أبداً الأسلوب ده " .. كنا نتحدث فى شتى الموضوعات حتى ظهر رجل خمسينى الملامح , سارترى المظهر , يرتدى بالطو و كوفيه و كاب كما سارتر , جلس بجوارى على الكنبة , كان الدكتور يقدم أطباق جبنة بقوطة و عيش شامى محمص و مشروبات غازية . عند دخول الرجل قام الدكتور بتحيته بنفسه فظننت انه واحد من كبار المثقفين , كان ياكل فى صمت و يتأمل الحضور بعينين ثاقبتين , كنا ننتظر منه الكلام فمظهره و تصرفاته تدل على ثقل ما . ثم دخل علينا مجموعة من الشباب العائدين من المظاهرة , كان من بينهم شاب يرتدى تى-شيرت أصفر جلس عن يسارى و عندما علقت انا و صديقى على موضوع المسيحيين و العمل السياسى و الأقلية , تدخل الفتى بشدة فى الموضوع و بدأ كلامه بالحمد و الثناء و بالصلاة و السلام على النبى محمد ثم .. ثم بدأ الكلام عن الشيوعية الجديدة و الفكر الماركسى فى دعوة منه صريحة للأنضمام الى الجماعة التى يرأسها !! . لم اتمالك نفسى من الضحك و إن أخفيته انا و صديقى ( اول مرة اشوف ماركسى شيوعى يبتدى كلامه بالصلاة و السلام على النبى ) .. لم اعرف من أى منجزات بشرية خرجت افكار هذا الشاب و من أى موروث ثقافى تكونت إتجاهاته !! .
انهى الرجل الستينى 5 أطباق من الجبنة بقوطة و 3 حاجة ساقعة , ثم نهض فى هدوء رافعاً يديه بالتحية و أنصرف دون ان ينبس ببنت شفة !! . كان الكلام وصل الى تقسيم الشباب مجموعات للعمل فى المناطق و توزيع لابتوبات و الذى منه , عندما دخل علينا المتحدث الرسمى بأسم الحركة وقتها و كان عائد من لقاء تلفزيونى . ظل الرجل يسئلنا عن رأينا فى اللقاء و هل شاهدناه , كان اسئلته تنصب على " إيه رأيكم فى البدلة ؟ , طيب النضارة الجديدة ؟ , طيب قعدتى كانت كويسة ؟ , مقدموش مشروبات كويسة .. " و عندما قاطعه شاب من شباب الجامعة الأمريكية يسئله عن بعض التعليقات التى جاءت فى اللقاء , اجابه " سيبك من الكلام ده .. اهم حاجة عندى : الكاميرا كانت مركزة علىّ كتير و لا لأ ؟ " .
لم استمر طويلاً فى تلك الحركة التى انتهت بفضل ابناءها و قادتها الى زوال و ماتت بالسكتة الدماغية , فالحركة التى كانت تعتبر مظلة لكل أحزاب و حركات المعارضة كانت تأكل نفسها , اما اغلب من تعامل معها فقد اعتبرها مصدر لأطباق الجبنة بقوطة , اقصد مصدر رزق , سبوبة يعنى .
2-
ما هو النظام ؟
عندما ذكر الدكتور " نظام مبارك " .. تذكرت , ما هو النظام فى مصر ؟
النظام ليس الحزب الحاكم و ليس الرئاسة بالقصر الجمهورى و لا حتى الحكومة , النظام هو كل شىء . الشعب , الحكومة , الحزب الحاكم , المعارضة , الثقافة و العادات و التقاليد . كل شىء تفعله منذ استيقاظك صباحاً حتى دخولك للنوم . ليست الازمة فى التوريث و لا فى تداول السلطة , فمن سيرث و من يتداول ؟ .
هل إذا تغير القادم و لم يكن جمال مبارك سنسميه تداول للسلطة ؟ اذا تغير جمال و اتى اخر من الحزب الوطنى – نفس مدرسة جمال مبارك – لن نعتبره توريث ؟! . هل اذا تغير الحزب الوطنى و حدث تداول على السلطة و وصل الناصريون الى سدة الحكم , ستعتبره تداول و انتقال سلمى للسلطة و سترقص من السعادة و ستعوم فى بحور الديموقراطية ؟!! .
انا لا أعتقد ان هناك فارق بين جمال مبارك و بين أى شخص قادم من الحزب الوطنى . لا فرق بين الحزب الوطنى و بين أى حزب معارض , فمع الاخوان ستجد نفسك متورط فى عداوات مع دول كثيرة غير إن الحكم الدينى لا يمثل أى ديموقراطية لأنه حكم ثيوقراطى بطبيعته و هل يجوز دخول شرع الله فى منافسة " ديموقراطية " مع دساتير و برامج إنتخابية ؟ , مع الحزب الناصرى ستجد نفسك تانى يوم حكمهم متورط فى مجموعة من الحروب الظريفة غير اننا سنعود الى الشعارات الحنجورية و دولة بوليسية قمعية سنترحم فيها على إيام العادلى بحكم النسب , مع اليسار بأنواعه لن يكون هناك حكم مثلما سيكون هناك خطابات و شعارات و خلافات و تشرذمات و إنقسامات و لن تجد شىء يقدم للوطن الا سيطرة " أصوات و اشعار و روايات " على الحكم فى مصر . فالاحزاب المصرية الكبرى و التيارات السياسية و حركات التغيير , ما هى الا نظام واحد و إن اختلفت التوجهات و المسميات . فبكل بساطة– و دون الحاجة لأثبات – تجد من كان ناصرياً ثم صار اخوانياً و من كان يساريا ثم صار حزب وطنياً و هكذا .. ( لن نتكلم عن أحزاب ما أنزل الله بها من سلطان , فلن نكون سعداء إذا وصل حزب يسعى لتوزيع صنارة على كل شاب عاطل للأستفادة من الثروة السمكية او اخر يسعى لتوحيد الزى " الطربوشى " علينا ) .
3-
الاوانى المستطرقة

التوريث فى نظرى هو ان يأتى أى شخص " من النظام " ليحكم مصر و يتساوى هنا الأخوان مع الناصريين مع اليساريين . كلهم يعدوا فى إطار التوريث . فالأخوان هى الصورة او المعادل او المكافىء الاخوانى للحزب الوطنى . و الناصرييون هم المكافىء او المعادل لليسارييون فى مصر . العملية السياسة تشبه الأوانى المستطرقة , المستويات واحدة , ارتفاع المياه فى كل أنية ثابت لأن لهم نفس القاعدة بغض النظر عن شكل او حجم الأناء . نظرة واحدة على حال أى حزب سياسى فى مصر , ستعرف حال باقى الأحزاب بغض النظر عن شكل او حجم الحزب فالقاعدة الشعبية واحدة . فأذا جاء اخوانى , هو مجرد توريث و إن كان فى ثوب أخوان , و إن جاء يسارى فهو أيضاً مجرد توريث و لكن بشعارات مختلفة .
إذا فرضنا انه جاءت حكومة اياديها بيضاء , هل ستستمر تلك الحكومة و هل ستقدر على تنفيذ خطة نهضة ؟ أعتقد إن لا . بكل بساطة , إن تلك الحكومة ستتعامل مع جزء من ال" توريث " الشعبى و هو جهاز الدولة البيروقراطى الذى سيشل أى حركة تقدمية من تلك الحكومة النظيفة . فجهاز الدولة نفسه , مع تغيير الحكومة , سيكون هو الوريث الشرعى للنظام البائد و مساعد شرعى للنظام القادم . أى وزير يسعى للتغيير سيصطدم بكل بساطة بموظفيين لا يملكون اداوت التغيير و لا يسعون اليه , لأنه فى حالة التغيير سيتوجب على الوزير تغيير هؤلاء الموظفين الذين لا يملكون مؤهلات و لا يسعون الى تطوير انفسهم , و ستنتهى وزارة الرجل قبل أن تبدأ تحت أقدام روتين ورثة النظام . فهل تتحمل دولة كمصر , تغيير كامل يبدأ من جهازها البيروقراطى الى احزابها التى نزلت عليها " كالبراشوت " ؟ ( فمصر الدولة الوحيدة التى – فى عصرها الحديث – لم تنشأ احزابها بناء على رغبة جماهيرها او مثقفيها بل بناء على رغبة سياستها العليا و قصرها الجمهورى و " ساداتها " العظام ) ...