Tuesday, August 18, 2009

رسائل من صندوق بندورا - 3



-1-

فى ذكر ما حدث فى الأفتر- إيت

و لأن اللى فيه داء ما يبطلوش , فقد ظللت أبحث عن تجمعات ثورية اخرى . الرغبة فى ان ترى البلد فى حال أفضل , خدعة جميلة , فانت لا تعرف أصلاً ما هو حال البلد و لا تفهم فى ظل سنوات الدراسة الأوضاع الخاصة بحال البلد الا من القراءة و السمع . ثم كانت " الأفتر –إيت " . تعرفت على جماعة " ثورية " تتجمع فى مقهى يسمى " أفتر – إيت " هو مقهى مجاور ل" ديسكوتيك " أسمه " افتر – إيت " , سمى المقهى على أسم الديسكوتك . على مدخل المقهى يوجد محل فول و طعمية , مازال يحتفظ صاحب المحل بعربة الفول داخل المحل . يتجمعوا كل خميس ليتلقوا الدرس من الأستاذ .

أى عقل مختل أنجب تلك النماذج البشرية المريضة ؟ . هذا الأستاذ الذى يعطيهم الدرس الأسبوعى " فى الشيوعية " هو إنسان معفن كما ينبغى أن يكون التعريف . فهو لا يعمل , يجمع أسبوعياُ مجموعة من " المريدين " يدفعون له ما يقارب 100 او 150 خمسين جنيه , و هو يعطى درس 3 أو 4 مرات أسبوعياً لثلاث أو أربع مجموعات !!! . ( أى انه يجمع تقريباً 400 جنيه أسبوعياً , هذا الكلام من 9 سنوات تقريباً ) .

منكوش الشعر , طويل و عريض , يطلب أكل و شرب و سجائر طوال الجلسة , لا يدفع ثمنهم . يلقى كلماته بصدق حقيقى , كأنه فى حلقة تثقيف كالتى نقرأ عنها . يتكلم فى كل شىء من التاريخ و الأقتصاد الى الفن و الرياضة و العلوم . عنده أحساس دائم بانه مراقب و أن من يجلسون على الترابيزة الخلفية هم أثنان يراقبانه , واحد امن دولة و الأخر مخابرات !!! . يشرح بسهولة و يسر تدفعك للأقتناع , شباب يدخل و يخرج يحمل " البيان الشيوعى " ( اى و الله ) , تخيل معى شباب فى اوائل الألفية الجديدة يحمل البيان الشيوعى الذى كتبه فريردرك انجلز و كارل ماركس و  مازالوا يتناقشون عن خطأ التطبيق و صحة النظرية . يخبرك كل واحد منهم , أن كل ترابيزة تجلس عليها محاطة بترابيزة اخرى عليها امن دولة و مخابرات !! .

شباب يأخذ مصروفه و يضيع وقته - بدل من الدراسة - فى قراءة بيان , و صرف على بشر " عواطلية " ( حيث يوجد أكثر من أستاذ , و لكل أستاذ مدرسة مختلفة عن الأخر و معادية للأخر فى الفكر و التوجه ) . و لأن دراستى و مرارتى و مصروفى لم يتحملوا كثيراً فقد أمتنعت بعد فترة عن أية تجمعات ثقافية و أيديولوجيات ثورية و مرجعيات فكرية و انقطعت عن عالم الثورة حتى ظهرت المنتديات .

-2-

كلاكيت تانى مرة

بعدها بخمس أو ست سنوات و بعد ظهور المنتديات و الكتابة فى المنتديات و التعرف على عقليات جديدة . كنت انتظر التجمع السنوى لكتاب المنتدى و الذى فى أغلب الاوقات يكون يوم من أيام رمضان على السحور . اخر منتدى انضممت اليه بناء على نصيحة صديقين , كان قد أعلن عن سحوره المجمع فى الأفتر – أيت !! .

و لأن معرفة الناس كنوز و لأنى من هواة جمع الكنوز , فقد ذهبت الى اللقاء السنوى لهذا المنتدى . و هو منتدى يجمع كل التيارات من أقصى اليمين الى أقصى اليسار , من سلفيين الى علمانيين . و لأن الأنسان لا يعلن عن هويته الدينية عمال على بطال , فلم يعرف أحد انى مسيحى طبعاً . كنا ننتظر شخص اسمه " أ " و هو من أبطال المنتدى و عضو فى حزب الوسط . دار نقاش بينه و بين " ن " حول الدولة الدينية و الدولة العلمانية . اشتد الحوار و انفعل الشخصين بشدة أثناء لعب الأستيميشن .

كنا محاطين بترابيزات شباب مازال يحمل البيان الشيوعى و مازال الأستاذ يحرض الشباب على الثورة . عند ارتفاع صوت " أ " و " ن " نظر الينا الشباب , أعتقد من يحيطنا أننا – طبعاً -  امن دولة و مخابرات . فكانت نظراتهم متوجسة . نهض و رحل منهم كثيرون . وصل النقاش بينهم الى الديموقراطية و المسيحيين . أنفعل " أ " بشدة و علا صوته : " الديموقراطية هى رأى الأغلبية , و الأغلبية فى مصر مسلمين , أى الديموقراطية ذات طابع إسلامى و حتكون إسلامية و أى مسيحى مش عجبه حقلع اللى فى رجلى و أضربه بالجزمة !!! " . ( بعدها بسنتين او ثلاث , اعلن السيد مهدى عاكف أنه ليس طظ فى المسيحيين فقط , بل طظ فى مصر كلها ) .

اما ما حدث بعدها من صراع الجبنة بقوطة و ضرب المتظاهرين فى واحدة من أشهر حركات المعارضة فله قصة أخرى .

-3-

عاجل و شخصى

قد يكون ما أكتبه شخصى جداً , لا يهم كثيرون و لكن هى نماذج على الرغم من خصوصيتها الا انها منتشرة بشكل أو بأخر فى مجتمعنا , قد تكون قابلت نموذج مماثل او من يشبهه . قد تكون قابلت شرفاء او ملوثين , لكل مننا تجربته الشخصية التى تستحق التأمل .

و لكن ما يجمع كل هولاء فى هذا السن , سواء سلفيين , وسطين , يساريين , علمانيين او ليبراليين هو انهم القاعدة لقمة يرأسها مفكري هذه الأمة على مختلف تياراتهم . ف" أ " المنضم لحزب الوسط , هو انعكاس و تطبيق عملى لكلام و فكر مثقفى حزب الوسط . افكاره هى نتاج مفكرى حزبه , توجهاتهم صادفت قبول مع توجهاته . و قس على ذلك , كل قاعدة شباب ذات توجه ما هى انعكاس لفكر القيادات الثقافية التى تشكل فكر و توجه الجماعة التى يتبعها هؤلاء القاعدة , من اقصى اليمين الى اقصى اليسار . فشباب الأخوان و شباب الوفد و شباب التجمع و شباب التنظيمات الشيوعية , المشترك بينهم أنهم قاعدة كلٍ لتنظيمه , و افكارهم انعكاس و ترديد لقيادتهم , فتخيل مع هذا التشوه الفكرى العظيم , أى رياح فاسدة و شريرة شكلت فكر تلك القيادات ؟!! .

-4-

لم يتلوث بعد !

اما عن مفكرينا العظماء , فتخيل كيف يتكون الموزاييك الذى يكون الساحة الفكرية بمصر ؟ . فهذا يعلن بوضوح انه " وهابى التوجه " و أخر " يقبض " بمعرفة الجميع من جارتنا العظيمة ليبيا و اخر يتحرك بقوافل الى العراق ( وقت أن كانت ) . اما الذى يذهب الى قطر و الامارات فلهم كلمة أخرى . و لن ننسى اخوتنا أشقاءنا أبطال الثورة جماعة فرنسا , أما القادمون من عند العم سام فلهم منا افضل الحمد بسلامة الوصول !! , اما الغلابة الذين يقبضون من مصر و الى مصر فلهم منا الدعاء بأن ربنا يكرمهم بعقد عمل, يقبضون منه بالدولار و الله ولى التوفيق .

قليلين هم من تقرأ لهم و تشعر بأن هناك من يكتب من دمائه , قليلين هم من تشعر بأنه مازال متمسك بالأمل الذى أُغلق عليه الصندوق , قليلون هم من لم يتلوثوا بعد !!  

تهب علينا رياح هؤلاء المفكرين فتكسح كل ما تبقى من جمال , تدمر كل قاعدة تعتمد عليها , تشوه كل فكر شاب مازال فى طور التكوين , تترك عقل و فم خالٍ من كل انسانية يردد كلمات أسياده دونما فهم , يتعصب دونما سبب , يغضب و يثور و يتظاهر دونما تفكير , يخسر مستقبله , فتتدفق المياه تغسل وجه  مفكريه و تُطهر يد صانعيه و تملىء جيوب مثقفيه فيجلسون فى تكييف وراء ساتر زجاجى يحميهم من تلك الرياح  .

أما نحن فتهب علينا تلك الرياح فنختبىء فى منازلنا لا نقدر على فتح أعينا من التراب , نغلقها و نظل هكذا ندعو الله أن تمر حتى نستطيع ان نتنفس من جديد و أن نفتح اعينا لنرى الطبيعة الجميلة التى حُرمنا منها . 

2 comments:

mohra said...

هذه تدوينه اعجبتنى

husam shady said...

جيد ولا تعليق إستمر