Thursday, January 14, 2010

الدفع نحو الطائفية


الدفع نحو الطائفية
تأملات
هل يكرهوننا ؟
---
فضفضة
بعد احداث نجع حمادى الأخيرة , اصبح الموقف متأزم . أصبح الجميع يتكلم عن الأحداث بمنظور " دينى " فالمسلم يدافع عن إيمانه و عن " تسامح إسلامه " و المسيحى قرر و أعلن نهائياً انه " مضطهد " و عليه ان يتعامل مع حياته من هذا المنطلق .
وجدت نفسى و قد سقط فى بحر من التفكير " بطائفية " يحسدنى عليها أشد المتعصبين تطرفاً , حيث دارت برأسى أسئلة أبحث عن إجابتها تدور حول " هل يكرهوننا ؟ " . لذا قررت ان انفض عن نفسى هذه المياه الأسنة لهذه البركة الطائفية و أشارككم لعل " الفضفضة " تريحنى من الحزن الذى أعانيه
من المقالات الساخرة " من ظهور العذراء " وصولاً الى أحداث نجع حمادى , ظهرت أسئلة كثيرة تستحق التأمل بعضها – للأسف – جارح و مستفز , و بعضها ساذج قد تكون إجابته مصحوبة بابتسامة طفل يسخر من سائله . و لكنها اسئلة و ستظل اسئلة أبحث عن إجابتها .. .. ..
-1-
غضب
لا يمنعنى شعورى نحو أصدقائى المسلمين - و الذين يعلمون تماماً انى أحبهم – أن أعلن انى غاضب لما حدث و لا أفهمه . شعور بالغ بالأستياء اجتاحنى عندما علمت بالأحداث و خصوصاً التوقيت ( ليلة عيد الميلاد ) , و زاد أستيائى من سرعة القبض على مرتكبيها !!! . فالشرطة قبل القبض عليهم أعلنت أسمائهم .. فهل كانت تعلم ؟ و هل لم يهرب الجناة و كأن ما فعلوه هو " شرف " لهم لا يستحق أن يهربوا منه !!!!!؟
-2-
اسئلة
- أ -
كرة قدم
بما اننا فى موسم كروى حافل : لماذا لا يوجد لاعب مسيحى واحد فى اندية الدورى الممتاز بمصر ؟ هل لأن المسيحيين يولدون بدون أرجل ؟ أم لأنه يتم أستبعادهم عند سن ما لأنهم مسيحيين كما نسمع من الشائعات ؟
- ب -
تاريخ
بعد أعلان سقوط الأتحاد السوفييتى و انتهاء الخطر الأحمر , أعلن البعض عن ظهور الخطر " الأخضر " او " الأسلام السياسى " , فهل فعلاً اختارت الولايات المتحدة الأمريكية هذا العدو – الأسلام – و اُرغم الأسلام على هذه العداوة ؟ ام أن الأسلام السياسى هو الذى قدم نفسه كبديل للخطر الأحمر كقوة تسعى و تحلم بتحقيق أنتشار .
كل الأديان هى أديان تسعى الى عولمة ما بنشر فكرها الى العالم كله بالتبشير . فلم نسمع عن دين أكتفى بالمجموعة الأولى المؤسسة له و توقف عند ذلك و لكنه – أى دين – عولمى بالطبيعة , ينشر فكره عن طريق التبشير لأنه دين الهى . فأذا كان الأسلام السياسى قد قرر أن الأسلام دين و سياسة و دنيا , فهل بزوال الخطر الأحمر الشيوعى , و أقتناع الأسلاميون بنصرهم عليه فى أفغانستان و قضائهم على الشيوعية الكافرة , هل قرر الأسلام بعدها دخول حرب مماثلة مع الصليبية المشركة ؟ تنتهى بانتصار الأسلام و تسيده للعالم ؟ ام انها فرضت عليه من الغرب ليكون هناك مبرر لتدخل القوات الأجنبية فى الداخل العربى كما يحدث الأن فى اليمن و من قبلها فى العراق و من قبلها زرع أسرائيل فى وسط امة لا حول لها و لا قوة ؟
هل الأمريكيون هم من أختاروا عدوهم الجديد و هم على علم بأنه لا حول له و لا قوة ؟ ام ان الأسلام هو من قدم نفسه للعالم كقوة قادمة ؟
- ج -
هل هناك فرق بين العنف و الأرهاب ؟
فى الثمانينيات و التسعينيات , كان الأرهاب يطول مصر كلها و لا يفرق فى الدين , منذ مقتل الطفلة فى مدرسة المقريزى الى مجزرة الأقصر للسائحين اليابانيين و تفجيرات وسط البلد و محاولة أغتيال نجيب محفوظ و سرقة محلات الذهب المملوكة لمسيحيين , و مصر كلها تئن سواء مسيحى او مسلم , فلم يكن الأرهاب يفرق و لكن الأن .. أصبح هناك تحديد و تخير لمواقيت أعياد و تربص و حالة " قد تبدو حالة كراهية " .. فهل ما نراه هو عنف ام أرهاب ؟
كل الأديان مارست او تمارس عنف ما بأسم الدين .. الهندوس و السيخ مع المسلمين فى الهند و كشمير , الكنيسة فى العصور الوسطى , الحشاشين , اليهود و ما تلاهم من صهاينة و العنف ضد الفلسطينيين , البوذية , مصادرة كتاب ما لكاتب , إباحة دم أخر و تفريقه عن زوجته , ما فعلته طالبان فى أفغانستان و الحروب الطائفية فى العراق و محاولة أبادة الأرمن قديماً .. كلها اشكال من العنف ..
فهل هناك فرق بين العنف و الأرهاب ؟ و إذا كان هناك فرق .. فما هو ؟
- د -
المسيحيون و التضليل
هل نتحمل نحن المسيحيون جزء مما يحدث لنا ؟ .. كل مرة تتم عملية أرهابية نخرج لنؤكد على الوحدة الوطنية و الحب المتبادل و ان ما يحدث هو مجرد خطأ ارتكبه ناس خارجون عن الدين .. فهل هذا صحيح ام بانكارنا هذا سمحنا بتضليل العالم ؟ .. فكل مرة تحدث ازمة ما فى اوروبا من صور كاركاتيرية الى بناء المأذن الى حظر الحجاب , يعلن المسلمون انهم " مضطهدون " و انهم يطالبون بمثل المعاملة التى " يلقاها " المسيحيين فى مصر , و الدليل أن المسيحيين المصريين يعيشون فى سعادة و امان لا مثيل لهما حسب تصريحات البابا شنودة .. فهل نحن فعلاً نعيش فى سعادة فى الوطن العربى ذى الديانة الأسلامية ؟ و ان المسلمين فعلاً مضطهدون فى اوروبا ؟ .. ام ان ما يلقاه المسلمين فى اوروبا هو صدى و رد فعل طبيعى للموانع و الحرومات التى يلاقيها المسيحيون العرب فى وسطهم ؟ اذا كانوا يطالبون بالمثل فليعطونا حقوقنا المحرومين نحن منها ( اذا كانت فعلاً لنا حقوق ) .
و اذا كانت التفجيرات التى قام بها المسلمون فى مدريد و انجلترا و الولايات المتحدة الأمريكية هى أعلان عن غضب " دينى " لما يواجوه المسلمون من تمييز و أضطهاد , فهل سيكون " المسلمين " سعداء لو قام المسيحيون العرب بتفجيرات بالمثل تعبيراً عن غضبهم " الدينى " من التمييز و الأضطهاد ؟ أى بتفجيرات فى عواصم الدول العربية الكبرى ؟
هل سنكون سعداء اذا تبادلنا الأضطهاد ( و محدش أحسن من حد ) ؟ ..
---
أعتذر و بشدة عن التدوينة التى قد تبدو طائفية و أعرف انها " ستحزن " كثيرين منى , و ستفاجأ أخرين من الذين تعودوا على نبرتى الهادئة . قد يتهمنى البعض بأنى كنت " شايل و معبى و ساكت و أهو ظهر على حقيقته .. طائفى أخر " .. و لكنه الحزن الممزوج بالألم .. فسامحونى على ما كتبت اذا تضايق البعض او حزن البعض او غضب منى من لم يتوقعوا أن تصدر هذه الكلمات من شخص تعودوا منه على لهجة أقل حدة و اكثر هدوءاً .. و لكنها اسئلة قد تحورت و تحولت و ابحث لها عن أجابة ..
هل فعلاً يكرهوننا ؟ ام أن الحال له أبعاد اخرى منسية .. لم يفكر فيها عقلى المتألم و الحزين ؟
اسئلة ابحث لها عن أجابات .. قد تشاركونى بها و قد اجدها فى تعليقاتكم او اجدها مع الوقت و قد تنمحى ليحل محلها مزيد من الحب ..
اعتذر مرة اخرى لكل مسلم شعر بان هناك اهانة ما فى كلماتى .. و اقول له انى لم اقصدها .. و اطلب منه أن يقدر ما أشعر به .. و ان يسامحنى و يقبل أعتذارى .. فانا كما وصفنى البعض لا أستطيع ان اكره احد .
--
قد أكتب مجموعة تدوينات تجيب عن هذه الأسئلة و قد تكون تلك التدوينة هى نهاية لمسيرة من التدوين.. قد استمر فى الكتابة معلنا ما وصلت اليه من أجابات و قد اغلقها نهائياً معلناً بهذا حزنى الأبدى ..
شكراً لكل من سامح لهجتى و أعتذار لكل من لم يتحملها ..
أبحث عن الهدوء لذا
فسلام قد يكون مؤقتاً و قد يكون نهائياً
...
سلام

---



12 comments:

ابو احمد said...

حادث نجع حمادى
لم يعد يكفى الاستنكار

كلنا مدانون

الوطن يتفتت

لم يعد يكفى مقابله رجال الدين من الطرفين وعاش الهلال مع الصليب والقبلات والأحضان

اذا كنا حقيقه نريد الاستقرار لهذا الوطن يجب أن نجلس جميعا ونضع المشكله فى دائره الضوء ونتصارح

لم تعد مشكله تمييز فقط ولا احتقان فقط فنحن جميعا على فوهه بركان ينذر بانفجار سوف يفتت وحده تراب الوطن

المشكله سياسيه بالاساس لن يحلها رجال الدين( الا اذا تدخلوا بصفتهم جزء من المجتمع المدنى ) لكن سوف تحل برجال السياسه ومنظمات المجتمع المدنى وعلى رأسها الأحزاب

اما تركها لرجال الدين على الجانبين فسوف يعقدها وسوف يعمق الاحساس بأننا لسنا دوله مدنيه
التمسك بمدنيه الدوله وبالمواطنه وبسياده القانون والحوار على هذا الأساس هو بدايه الحل

هناك مطالب للمواطن المسيحى تبحث ويؤخذ فيها قرارت سريعه
تفعيل قوانين المواطنه والديموقراطيه هى الحل

اولا وآخرا


المواطنه وسياده القانون والديموقراطيه هم الحل

على باب الله said...

لا تعتذر .. انت تطلب - ضمنياً - من البابا و قيادات الأقباط أن يقولوا الحق بشجاعة فلماذا تعتذر أنت على قوله ؟

Desert cat said...

بتعتذر عن ايه ؟؟
حرقة القلب اللى فى قلوب كل اللى فقدوا اولادهم فى ليلة العيد على ايد مجرمين مأجورين لا يكفى عنها اى اعتذار سوى شنق المتهمين فى ميدان عام

Shimaa Gamal said...

Well, I have been waiting to read your reflections after what happened in Nag3 7amadi & I am not surprised from the sore tone.

Yet you have mixed some facts. There is a big difference between Muslims, and I am one of them, and those who bombed Madrid, London and killed many in Egypt.

There is a difference between violence and terrorism. You can terrorize a person without being violent. And you can be violent for reasons other than terrorizing someone. Self-defense is violence yet respected.

You have every right to be angry, but when it subsides I would like to read your definition of "them".
Because after all, if people with minds couldn't find answers and couldn't find solutions we can't expect a change in the status quo. Which is apparently a volcano waiting for eruption.

مهندس مصري بيحب مصر said...

أتفق تماماً مع ابو أحمد
المشكلة سياسية صنعها الساسة و لن يحلها سواهم
لابد من تطبيق سيادة القانون على الجميع مهما كانوا
و لابد من نظام ديموقراطي يصون القانون و يحفظه
أما بدون هذا فلا فائدة من كل جهود المصالحة المبنية على اسس غير سليمة
من قتل لابد أن يقتل
و من فعلوا هذه الجريمة الشنيعة لابد من إعدامهم
و لابد من محاسبة الأمن على تقصيره المشين

حفيدة عرابى said...

لا بجد
انا عايزة اسمع اجابتك على الاسئلة دى
وغيرها كتير
وهزعل جدا لو كانت دى نهاية تجربتك التدوينية
واسئلتك فيها اللى يزعل فعلا
لكن المجروح
ماينفعش نقوله استحمل ألمك للنهاية
انا شايفة ان الطريقة اللى بتتعالج بيها اى مشكلة طائفية
بتعمق وتغرس الطائفية اكتر
ومعلش سامحنى على الكلام الجاى
انا عندى احساس
ان الامن هو المستفيد الوحيد
من الفتنة
وان عناصر الامن بغبائها
معتقدة
ان بعض المشاكل بين المسلمين والمسيحيين لا تضر
من باب فرق تسد
لكن الموضوع بيزيد
والخطر بيقرب بصورة كبيرة


اذا كان السؤال الاساسى
هل يكرهوننا


انا عن نفسى مش بكرهكم
لكن بكره لما حد منكم يهين دينى
غير كده
انا لى زملاءمسيحيين
بعتز جدا انى اعرفهم
وبحب اشتغل معاهم
لا نضباطهم وضميرهم العالى
والحمد لله
مش بنعمل سوا موائد وحدة وطنية



انا اسفة على الاطالة
بس انا دايما بتابع مدونتك فى صمت
وكان لى موقف فيها فى بداية تعرفى على المدونات
وكلمت حضرتك بطريقة انفعالية جدا
وشدنى ذوق حضرتك
وكلامك الهادىء
علشان كده
أثر فى جدا النهارده
نبرة الاسى فى التدوينة دى
ربنا يصلح مابينا
علشان بلدنا ماتستاهلش مننا كده

^ H@fSS@^ said...

من يغر ما اكمل قراءة
لك الف حق في كل كلمة قلتها و كل تساؤول طرحته
و مش شايفة اي مبرر منك انك تتكلم و انت خايف على شعور البعض من قولة الحق
اللي يزعل من كلام الحق الف طظ فيه
و مينفعش الادب المبالغ فيه ده ف يمواجهة ظلمو بطش بالقوة دي
لي وقفة تانية مع التدوينة ان حسيت اني محتاجة اقول زيادة
و ارجو انك تكون متاكد و عارف من وجهة نظري
و ارائي
اي حد "انسان " بجد
لا يمكن باي حال من الاحوال يرضى باللي بيحصل ده
يا اما فيه خلل ابشع من اي خلل سبق انت و رصدته هنا
تحياتي

أبوفارس said...

رامز..أولا لاتعتذر..لك كل الحق فى الغضب واﻷستياء..أنا شخصيا قرفان وبشده ولو كتبت سيكون فاصل من الردح والسب..ماحدث جريمه تطير فيها وزارات ووزراء فى أى بلد محترم..الحل لاعلاقه له بالدين ولا رجال الدين من الطرفين..هم من زادوا الطين بله..الحل سياسي كما تفضل أبو أحمد..وسيبك من حكاية أنا لى أصدقاء من المسيحين.. ولكن ..دى..أحنا مش فى معرض الحديث عن فريق كوره ومشجعيه..إذا كان فيه ناس مش فاهمه خطورة مايحدث وحالة التفكك التى وصلت لها مصر فلا أمل فيهم..وبصراحه اﻷنطباع اللى خرجت به من زيارتى اﻷخيره للقاهره كان شديد السوء والتشائم على كافه المستويات..نحتاج إلى تغيير سياسي حقيقى شامل والطريق أليه ملغوم بمصالح عاتيه وأختفاء كامل لنخبه واعيه قادره على قياده الناس..والوضع سيزداد تدهورا وسيطول الجميع بلاتفرقه..يكفى نظره على حالة الفوضى العارمه التى تغلف القاهره...تانى لاتعتذر ...تحياتى ومودتى..خالد

محمود المصرى said...

بسم الله الرحمن الرحيم

والله ياباشمهندس كلامك كويس جداوصحى جدا وضرورى جدا لكن لا يمثل الا نصف المطلوب فقط , والنصف الثانى ان تكون مستعدا لتلقى تساؤلات الطرف الاخر من نفس النوعية والاجابة على الاثنين معا .
اعتقد انك تعلم كثير من اسئلة الطرف الاخر اللى هو المسلمين يعنى تجاه المسيحيين وتستطيع الاجابة عليها ايضا .
طبعا لا حاجة للكلام المكرر عن الشعور بالحزن وخالص العزاء ومقدار الالم الذى يعتصر القلوب وخلافه فهذا النوع من الخطاب بالتأكيد لا تحتاجه ولا ترغب فيه , وفى انتظار اكمال الاسئلة وعرض الاجابات .
تحياتى

أحمد عتمان - Ahmed Etman said...

1/2
صديقي،
لا أجد فيما كتبت تجريحاً، و لا أجده كلام واحد "شايل و معبي" و بالتأكيد أطلب منك و بشدة عدم التوقف عن التدوين و التواصل.
قد لا تجد إجابات قريبة عن جميع اسئلتك و قد تجد، و لكن من المؤكد أن الأسئلة لن تتوقف أبداً، فأعظم المفكرين رقدوا للأبد و لم يجدوا بعد إجابات واضحة للكثير من الأسئلة التي أخذوها معهم، و لكن بدون أسئلة نكون بدون عقل و هو ما لا أتمناه لي و لك أبداً.
إن ما حدث في نجع حمادي هو زلزال نفسي يجعل أي إنسان له روح يتساءل: ماذا حدث، و كيف وصلنا هاهنا، و إلى أين نحن ذاهبون؟
ربما لا تكون الجريمة دينية، ربما كانت سياسية كما يقول البعض، لا أعلم، و لكن هذا لا ينفي هذه التساؤلات.
سأحاول هنا أن أشاركك بعض ما أفكر فيه، لا أزعمها إجابات، بل ربما هي في معظمها استنتاجات و أحياناً أيضاً أسئلة.
عندما أنظر إلى الشعب المصري الآن، أجد أمامي مسوخاً بشرية، أجيالاً نشأت و تربت في عصر مشوه، الثلاثين عاماً الماضية، عصر ارتأت فيه القيادة السياسية ذات الحكمة الوحيدة أن تطمس معالم هذا الشعب و تجعله يعيش بلا مشروع، بلا رؤية، بلا طريق، قيادة خافت من قوة العقل في مجابهة الفساد و الظلم و الاستئثار بالسلطة و الثروة فقررت أن تنزعه من الناس ليصبحوا شعباً بلا عقل، فاعتمدت سياسات عديدة، كان من أخطرها فيما أعتقد، عملية غسيل مخ، لجأت فيها من ضمن ما لجأت، إلى استخدام الدين كوسيلة و أداة.
و أعتقد أن هذا كان من أخطر ما فعله هذا النظام، إن ما نعاني منه الآن ليس ما يتخوف منه العلمانيون من تحكم الدين في السياسة، و انما الحاصل حالياً هو تحكم السياسة في الدين، لقد أحكمت القيادة سيطرتها على أكبر مرجعيتين دينيتين في مصر، الأزهر و الكنيسة، فتحكمها في الأزهر واضح للعيان و الخضوع التام و الانصياع و المداهنة من شيخ الأزهر و لفيف كبير من سدنته لرغبات و أوامر القيادة لا لبس فيه، أما الكنيسة فاتبعت معها الحكومة أسلوب العصا و الجزرة، اسلوب اشبه ما يكون بأسلوب مارلون براندو في فيلم الأب الروحي، فإذا ما احتميت بي حميتك و إذا تمردت بطشت بك بطشاً أشد من بطش من كنت أحميك منهم، و للأسف انصاعت الكنيسة لهذا التهديد مع كرهها له، فأصبحت، فيما أعتقد، تداهن النظام و تضمر له الكره أن أجبرها على ذلك، خصوصاً مع ما تبين لهم عبر السنين أن النظام الذي يتوعد بحمايتهم، يكون في أحياناً كثيرة، سبباً مباشرة في العنف أو الاضطهاد الذي يتعرضون له، سواء بتقصير أمني أو بالتحريض الغير المباشر أو بالاضطهاد المباشر، مع عدم قدرة الكنيسة على الوقوف بقوة أمام هذه الاضطهادات، فتأمر رعيتها بالتغاضي و التسامح و غض الطرف مرة بعد مرة، لتؤدي بذلك إلى حالات احتقان و غضب تتراكم في نفوس المسيحيين يوماً بعد يوم و حادثاً بعد حادث، لتتثبت فكرة الطائفية في عقولهم و تتبدل لديهم مشاعر الحب القديم للجار و الزميل، و تحل محلها مشاعر التوجس و القلق و التخوين بل و ايضاً كره لدين هذا الآخر الذي يظهر له عكس ما يبطن، فيبتسم في وجهه و يذهب إلى الجامع يقول آمين بعد أن يدعو الإمام أن يلعن الله اليهود و النصارى و يمزقهم شر ممزق.
أما لماذا أصبح المسلمون هكذا، فإن هذا ايضاً، فيما أعتقد، من نتائج غسيل المخ الذي أجري لهم، فما حدث بعد سيطرة الحكم على الأزهر و رجال الدين الرسميين، تفرغ دورهم من مضمونه و فقدوا قدرتهم على توجيه الناس، فكان لابد أن يلجأ الناس إلى بديل، و أعتقد أن الناس وجدوا في مصر تيارين يستطيعان ملء هذا الفراغ الروحي، الإخوان المسلمين و التيار السلفي الحديث المستمد بالدرجة الأولى من التيار السلفي الحديث بأرض الحجاز، و الذي يسميه البعض "الوهابية" نسبةً إلى رائد هذا الاتجاه الشيخ محمد عبد الوهاب.
كان هناك تياراً آخر، و هو الجماعات المتطرفة، التي تبنت الكثير من أفكار السلفية الحديثة، مع تغييرها لمبدأ مهم فيها و هو فرض التغيير بالقوة، و هو ما أسفر عن الجماعات التكفيرية و الارهابية التي انتشرت في الثمانينات و التسعينات، و لكن ظل هذا التيار مرفوضاً و منبوذاً من أغلب فئات الشعب لمخالفته الفطرة بشكل صارخ، و لأنه لم يسلم من أذاه أي طائفة من طوائف الشعب. فظل محدود التأثير.

أحمد عتمان - Ahmed Etman said...

2/2
تابع...
و فيما بين المدرستين، كان النظام سابقاً معادياً لكليهما، و لكن سرعان ما أدركت القيادة أن الخطر عليها هي يكمن فعلياً في مدرسة الاخوان فقط، التي لا تيأس من محاولة التغيير الفعلي، و تضع مواجهة الظلم و الاستبداد ضمن أولويات الاصلاح الاسلامي و أحد أهم أهداف الاسلام نفسه (و هو ما اتفق معهم فيه و أختلف معهم في وسائلهم لتطبيقه) في حين أن المدرسة السلفية تتمسك بمبدأ عدم الخروج على الحاكم و لو كان ما كان، و أن الأفكار التي تعبيء بها عقول الناس تركز أكثر ما تركز على التدين المظهري و ممارسة الشعائر و تغذي فيهم أفكار العزلة عن الآخر و التشدد مع أي مخالف حتى و لو كان مذهباً اسلامياً آخر. فأعتقد أن النظام وجد في هذه الأفكار مبتغاه، فهي ستملأ عقول الناس التي أفرغها النظام بالعديد من الانشطة الدينية المظهرية و ستوجه الطاقة الروحية للمسلمين إلى عدد من الممارسات الظاهرية و تشحنهم بمشاعر الدفاع عن العقيدة ضد جميع العقائد و المذاهب الأخرى في جميع أنحاء العالم التي اتحدت جميعها لمحاربة الاسلام في كل شارع على كوكب الارض و سيدافعون عن هذه الهجمات بحملات لمقاطعة آريال و بيبسي و مكدونالدز و بالدعوة ليلاً نهاراً أن يلعن الله جميع الناس غير المسلمين السنة و يدمرهم تدميراً (و لكن بدون أن نحارب، يعني ربنا يحاربهم لوحده، بالزلازل، بالبراكين، بأي حاجة و احنا حنشجع على طريقة "إنا هاهنا قاعدون")
أعتقد أن النظام قرر أن يبقي الأبواق في أيدي شيوخ هذه المدرسة مع إعلان معارضته الرسمية لهم، بل و يفتعل لهم المعارك معه ليستمروا في شغل عقول الناس، فيستفزهم كل حين و حين بقرارات يعلم أنها الوتر الحساس لديهم، مثل قرارات منع النقاب و غيرها، و أحياناً أذا ما احس بزيادة سطوتهم عن الحد اللازم، قام بحملة مؤقتة لتحجيمهم قليلاً بإغلاق بعض مراكزهم، و لكنه في النهاية لا يسحب الأبواق من أيديهم أبداً، ليستمر الصراخ في آذان الناس، في حين يظل يغلق الأبواب أمام أنصار التوعية الحقيقية مثل الشيخ يوسف القرضاوي أو كما كان مع الشيخ محمد الغزالي رحمه الله.
هذه المدرسة لا يقتصر تأثيرها على أتباعها فقط، بل هي تؤثر على عقول الكثير من شرائح المسلمين، لأن الناس لجأووا لهم في الفتاوى و الخطب و الإمامة و سمحت لهم الحكومة بذلك، فأصبحت نسبة كبيرة من أفكار هؤلاء الناس متأثراً بأفكار هذه المدرسة و إن لم يتبعها. و اصبح نفوس الكثير من الناس تتبنى أفكار كره الآخر و تحقيره و ايضاً الخوف منه و من مؤامؤاته السرية، و لكنهم في التعامل وجهاً لوجه يطبقون مباديء الإخوة الانسانية التي تربوا في الصغر عليها، فاتسمت التعاملات بالنفاق و الازدواجية، التي سادت تعاملات كثيرة أخرى في مختلف نواحي الحياة. هذا كله يشمل بالخصوص الفئات البسيطة جداً المحدودة الثقافة و التفكير، التي عادة ما تكون سريعة الهياج و عنيفة في رد فعلها تجاه ما تعتقده تهجماً على مقدساتها، و تكون على استعداد لارتكاب جرائم تدينها عقيدتهم نفسها التي يظنون أنفسهم يدافعون عنها، من فرط جهلهم الشديد و رغبتهم الجامحة في تفريغ شحنة الغل و الغضب تجاه الظلم الواقع عليهم يومياً و حياتياً، فيفترون على من يرونه أضعف منهم، غير مدركين أن الطرفين ضحية لنفس النظام، و متساويين في التعرض للظلم و الاضطهاد. فيكونون اشبه بمن يضربه ابوه فيذهب هو ليفرغ غضبه على أخيه الأصغر، الذي ينال الضرب من الأب و الأخ، و اذا ما استنجد بالأب من أخيه يجده في صفه، فيكره الاثنين و لكن ينصاع في النهاية لسلطة الأب القاسي و يبتلع الإهانة و لكنها تغص في حلقه دائماً.
أعتقد أنه طالما استمر النظام القائم، فإن قادته بما يتمتعون به من عمى البصيرة و سواد القلب و انعدام الضمير، فإنهم سيساهمون في تفاقم الأزمة و لا أعلم متى و كيف سيتغير الوضع، و لكني أرجو أن يتغير قريباً، و أعلم يقيناً أن علاج هذه الحالة ليس صعباً و مستعصياً، فالأمم تتبع أخلاق حكامها، و الشعوب سهلة الانقياد، و سهل التأثير عليها سلباً و ايجاباً، فقط حين تتواجد قيادة حكيمة عاقلة قوية، سيكون التغيير سريعاً و سكب القمامة التي في عقول الناس و ملئها بالنفيس لن يكون صعباً، و لعل الفرج قريب، و "إن مع العسر يسراً".

هذا ما أعتقده في مسألة الطائفية المتفشية الآن في مصر. أما عن تساؤلك عما اذا كانت الحضارة الغربية هي التي اختارت الاسلام كعدو أم أن الاسلام هو الذي قدم نفسه كقوة، فأعتقد أن ما حدث هو مزيج من الاثنين، و لعدم استطاعتي الاطالة أكثر مما أطلت فعلاً، فأنصحك بقراءة كتاب الدكتور مراد هوفمان (سفير ألماني سابق) "الاسلام كبديل" و ستجد فيه أفكاراً كثيرة قد تراها جيدة رغم أنه من التسعينات.

نهايةً، أجدد رجائي ألا تعتزل الكتابة و تمتعنا دائماً بأفكارك التي نتفق معها أحياناً و نختلف معها كثيراً و لكن نحترمها دائماً.

تحياتي (بالمناسبة أنا دي لا سالي زيك، بس من سان مارك اسكندرية)
أحمد عتمان

لاسع افندى said...

اعتقد انك لا يجب ان تعتذر
لاننا جميعا فى مركب واحده ولاحل الا الحور والتصارح والتصالح والتعايش لنتفرغ جميعا لتحديات اكبر....اعتقد ان احنا قدامنا هموم كتير اكبر من خناقاتنا مع بعض
مشاكل مش قادرين عليها واحنا متحدين فما بالك لو تفرغنا للقتال


تحياتى