Wednesday, November 10, 2010

الخروج الى الظلام - 3

مدخل 2

"ان اليات الضبط التى مارسها النظام السابق عن طريق العنف هى التى ادت الى الأنفجار الرهيب الذى نراه فى العراق، ولن تعود العراق كما كان الا عندما تمحى وتتحول الى رماد مدنى وانسانى وبعدها تظهر بشرية جديدة تعيد بناء مدنيتها. ان العراق ذاهب الى طوفان الفناء وإعادة "الخلق"، وليس الى اصلاح دينى او سياسى او حتى مدنى".. متحدث عراقى فى أحدى البرامج الحوارية..

تلك الجملة التى سمعتها من متحدث عراقى،لم تبدو عليه أى انفعالات من حمامات الدم التى تغسل شوارع العراق، والتى نطقها ببرود وكأنها حقيقة يتجه نحوها التاريخ بكل بروده وصلفه وكبريائه.. هى الكابوس ذاته: ان تستيقظ من نومك لتجد انك تحولت الى حشرة يسحقها البعض فى صراعاته.

مشهد 1 – نهار خارجى – اشارة المرور

انتظر فى اشارة المرور ناظراً الى علامتها الحمراء التى تخطتها تلك السيارة الفارهة، التى لم يبالى صاحبها او سائقها بالعسكرى الذى اخرج دفتره ليسجل النمرة. سيارة بيضاء بالكامل تقف امامى.. ما ان رآها العسكرى حتى اخرج دفتره مرة اخرى. صاحب السيارة البيضاء غير مرئى من الزجاج الفيميه ولا يوجد اى نمر على السيارة او اشارة. نظر اليها العسكرى وحاول تسجيل مخالفة وهو يقترب منها. انفتح زجاج السيارة واطل صاحبها بنظارته الشمسية وضحك بصوت عالى: حتكتب ايه يا حيوان لما مفيش نمر ؟.. ضحك بعض سائقى السيارات المجاورة اما انا فخفت. وقف العسكرى مذهول امام سيل الشتائم الذى انهال عليه ومن الضحكات التى انهمرت على اذنه وتمتم : ما هو مفيش نمرة والازاز فاميه وده ممنوع. ذكر سائق السيارة ام العسكرى وابوه بأقذع الألفاظ، واعتقد انه لولا السيارة التى امامه لكسر الاشارة.. اما انا فخفت لسبب بسيط، ان العسكرى لابد وان يكتب المخالفة حفظاً لماء الوجه وانا فى السيارة التالية ونمرتى هى التى امام عينيه!!!. اما العسكرى فقد ظل مبهوتاً واقفاً حتى بعد ان فُتحت الأشارة وسط السيارات التى بدأت فى تفاديه.

مشهد 2 – نهار خارجى - احدى الطرق السريعة بوسط المدينة

بدأ سواق الميكروباص – كالعادة – باللعب بالسيارة فى الطريق المزدحم. وكسر على بعضهم حتى ان صاحب احدى السيارات بدا فى اطلاق الكلاكس بطريقة متواصلة وهو يشتم سائق الميكروباص. ايثاراً للسلامة قررت ان اتركه يمر وان اترك مسافة سيارة او اثنين بينى وبين هذا المجنون الذى يحتاج الى طبيب نفسى. اما السائق فكلما زادت الشتائم والكلاكسات، كلما زاد عناده وتصاعدت حدة "غرزه"، حتى ان صاحب السيارة الذى لم يرفع يده من على الكلاكس صرخ " سوق عدل يا عرص والا حطلع دين امك"، ولأن كلمة "دين امك " تعد نكتة فى قاموس سائقى الميكروباص، فلقد اشار له الاشارة الشهيرة "خُد"، ظل الحال هكذا حتى اول منعطف يمين حيث كسر سواق الميكروباص على السائق اللى – من المفترض انه حيطلع دين امه "، حتى كاد ان يرتطم بالرصيف. لا اعلم صراحة ما هو شعور راكبى هذا الميكروباص مع هذا الجنون المسيطر على الوضع!!. عبر سائق الميكروباص السيارة الاخرى واجتازها وهو يخرج يده اليسرى، تبعه السائق الأخر من ناحية اليسار حتى تخطاه مرة أخرى وكسر يميناً فجأة واوقف السيارة بعرض الشارع ونزل وهو يلقى بجاكتته بالسيارة وصرخ فى السائق " انزل يا ك.. امك". اخرج الرجل سلاحيه من الجرابين المعلقين تحت ابطيه بعد ان القى الجاكته بالسيارة. وما ان لمحهما سائق الميكروباص حتى قفز من السيارة وجرى فى الأتجاه العكسى لتدفق السيارات !!!، وترك السيارة بالركاب واختفى. ظللنا متوقفين حتى أعاد هذا الرجل سيارته الى وضعها الصحيح بالجانب الأيمن من الطريق واعتذر لباقى السيارات وامر الركاب بالنزول لأن – كما قال – "الميكروباص ده اتصادر"...

--

-1-

"أن اليات الضبط والسيطرة التى يفرضها القانون، لابد ان تنفذ بكل قوة ولكن بدون أى عنف، وعلى جميع المواطنين"..

-2-

فى المشهد الاول كنت متضامن وبكل قوة مع هذا العسكرى. مرة عندما كتب نمرة السيارة التى كسرت الأشارة ( وان كنت اعلم ان المخالفة لن يدفعها صاحبها لأنه اكيد يعرف حد يخلصها!!) والمرة الثانية فى محاولته اليائسة لكتابة أى بيانات او سحب رخص صاحب السيارة البيضاء.. اما فى المشهد الثانى، فمع الرجل " الرتبة" اللى نزل بسلاحه لوقف هذا المجنون..

-3-

قد يبدو انه نوع من المزاح السخيف ان تشرح للعامة ما هو الفرق "التيرمينولوجى" بين لفظة "قوة " ولفظة "عنف"، او ان تصدع رؤوسهم بكلمات من نوع أن القانون يطبق على الجميع دونما تفريق بين غنى او فقير. فلا أحد مهتم للسمع او للمعرفة ولا احد – من الأساس – يريد ان يعرف او يسأل عن شىء يعد خرافات اسطورية كالتنين الذى ينفث اللهب فى سماء الكون. فعندما يتصارع الكبار، لا وقت للشرح ولا وقت للبحث والمعرفة..

-4-

فى مصر، لا أحد بسأل عن الاجراءات. فلا يوجد ما يسمى بهذه الكلمة. اذا اردت ان تنهى بعض الأوراق فى احدى المصالح فأنت لا تسأل عن الاجراءات او عن الاوراق المطلوبة او الخطوات التى ينبغى على الجميع ان يتبعها، فأنت لا تعرف والموظف الذى يعمل لخدمتك لا يملك الوقت لأخبارك. اول سؤال يسئله اى مصرى لأستخراج اوراق ما، لا يسئل بالطبع عن الاجراءات بل " تعرف حد يخلصلك القصة دى ؟".. فدائماً انت محتاج لشخص ما لتخليص اى اوراق بمقابل.. حاول بكل بساطة تجديد رخصة سيارتك بمفردك او استخراج بطاقة صحية او حتى اجراءات علاج او بعض الأوراق بمصلحة الشهر العقارى.. كل سنة وانت طيب.. اذا نجحت فى فعلها بمفردك فأحسب كم الوقت المهدر للتنفيذ، اذا نجحت يعنى..

-5-

" ان القانون يمنع ويعاقب أى شخص، غنى او فقير، فى أن ينام تحت اى كوبرى".. ولكن، و بكل بساطة: من الذى يحتاج الى النوم تحت الكوبرى؟

أى ماركسى مازال يحبو فى ماركسيته يؤمن بان التغيير لابد ان يكون ثورى عنيف ودموى والا لن ينجح، فهل نحتاج – اسوة بالعراق – الى تغيير بحمامات الدم؟ سؤال لا اريد اجابته..

-6-

سئلنى صديق" هل تعرف ما هو النيكروفيلى؟. صمت فأكمل كلامه: النيكروفيلى هو الشخص المصاب بالنيكروفيليا، هو الشخص الذى يحب ميت ويمارس الجنس مع جثة".. والميت حتى يعيش يحتاج الى اعادة خلق والى طوفان ابادة.. النيكروفيلى – يا صديقى – هو من يحب جثة ما .. وانتم نيكروفيليين...

-7-

صدمات ما قبل النهاية

اكتب اليكم تفسير لبعض الكلمات التى نستخدمها يومياً وتتردد على السنة الكتاب على انها من الثوابت المدنية.. هى صدمة ما قبل نهاية هذ المجموعة..

العدالة الأجتماعية: هى فكرة إنشاء مجتمع قائم على المساواة أو المؤسسة التي تقوم على مبادئ المساواة والتضامن ، التى تقدر مفاهيم حقوق الإنسان ، والتي تصون كرامة كل كائن بشري. وصاغ هذا المفهوم الحديث لل"عدالة الأجتماعية" لويجى تاباريللى اليسوعى (the Jesuit luigi taparelli ) استناداً الى تعاليم القديس توما الأكوينى !!. و تم تطويرها على يد انطونيو روزمينى سرباتى (كاهن كاثوليكى) ( Antoni Rosmini-Serbati)، وتم تفصيل هذا المفهوم بواسطة جون رايان لاهوتى اخلاقى ( John A. Ryan) الذى وضع مفهوم "الاجر المعيشى" او الحد الأدنى للاجور... ( اللى سمعنا كلنا عن مظاهرات من قريب علشانه)..

الحد الأدنى للأجور او الأجر المعيشى: هو مصطلح مستخدم لوصف الحد الادنى اللازم للاجر لتلبية الاجتياجات الأساسية للانسان. من سكن وملبس وغذاء وعلاج وتعليم لفترة زمنية ما. هذا المصطلح يعنى بكل بساطة ان أى انسان يعمل لععد معين من الساعات طوال الأسبوع – بدون أى دخل أضافى - ينبغى ان يكون قادر على تلبية كم ونوع مما من السكن والغذاء والنقل والمرافق والرعاية الصحية والترفيه..

وهذا المصطلح هو مفهوم محورى فى تعليم الكنيسة الكاثوليكية الأجتماعى. وبدأ مع الوثيقة البابوية المعنونة "عن الأشياء الجديدة (Rerum novarum) للبابا لاون الثالث عشر .. لمكافحة تجاوزات الرأسمالية من جانب والشيوعية من جانب اخر.. فى هذه الوثيقة يؤكد البابا على حق الملكية الخاصة فى حين يصر على دور الدولة فى توفير الأجر المعيشى (ألحد الادنى للاجور).. واعتبر البابا ان الملكية الخاصة لها الحق فى حماية وسائل الأنتاج مع وجود تنظيم الدولة للحفاظ على الصالح العام!!!!...

--

هل نستطيع الأن، بعد معرفتنا لأصل المصطلحات التى نستخدم كمفردات للدولة المدنية او العلمانية، ان نواجه المد الدينى الذى يخبرنا عن العدالة الاجتماعية لعمر بن الخطاب؟ او نصد حتى من يكلمنا عن دولة دينية فى ظل هذا الخلط الهائل فى المفاهيم!!!!؟.

-8-

نقلت لكم جزء من كتاب الموتى "الخروج الى الظلام"..

I think we ought to read only the kind of books that wound and stab us. If the book we are reading doesn't wake us up with a blow on the head, what are we reading it for? ...we need the books that affect us like a disaster, that grieve us deeply, like the death of someone we loved more than ourselves, like suicide. A book must be an ice axe to break the sea frozen inside us... If the book we are reading does not wake us, as with a fist hammering on our skulls, then why do we read it?.. Franz Kafka

---

يتبع بالأخيرة........

3 comments:

المحامي الدكتور يوسف عبد الحق said...

تحياتي الفاضل عباس

موضوعك مهم، بعد 52 كان الشعب 3 مواقف : الأول موقف الضباط وهم يرون لا داعي للديمقراطية الليبرالية، الثاني موقف قلة قليلة كانت ترى أن الديمقراطية حتى الليبرالية ستؤدي في النهاية إلى دولة مدنية بعدالة اجتماعية، موقف الإخوان المسلمين الذين حاولوا السيطرة على الثورة وموقفهم دولة دينية،

أخشى ان ما يجري الآن هو عمل تدريجي ومتماسك لدولة دينية ظاهرها مدني متحافة مع العسكر، أما الثورة الشعبية في التحرير فيتم العمل على تدجينها

في ظني صراع نهايته مرهونة بالقدرة على تجميع القوى الشعبية

الخارج أي الولايات المتحدة تحاول سبر غور الخيار الأول: الإخوان مع العسكر مع التدجين

من المهم أن نعرف أن ما بعد الثورات الشعبية هو صراع سياسي مرير
بين الدولة الدينية شكلا لالمنسجمة مع القوة العظمى ، وبين الديمقراطية للدولة الدينية الساعية للعدالة الاجتماعية.

مع التقدير والحب

Unknown said...

مدونه رائع فقد اعجبني تناولك لطرح فاحببت ان اضع بصمتي بين احرف مدونتكم لتبدي اعجابي بها.دمت بخير
http:--dormh-altmtamhistory.blogger.com

DreamsCity said...

القسم الاسلامي

القسم الاخباري

القسم الرياضي

قسم الوظــائف

القسم العـــــــام

قسم الفيس بوك

سياحة و السفــر

قســــم اليوتيوب

قسم الشخصيات

صور الشخصيات