أنتى يا مضروبة

كدبة أبريل

اليوم , أول الشهر و منتصف الأسبوع . انزل من بيتى متوجهاً الى وسط البلد لأحضر الأصدارات الأسبوعية و الشهرية . أمى تؤكد على شراء خيار و جزر و " كابوتشى " أثناء عودتى . أمى , القادمة من صعيد مصر , تؤكد على شراء " كابوتشى " حتى تستقيم الحياة . حاضر يا أمى .

أركب تاكسى متوجهاً الى وسط البلد . انزل من التاكسى عند ناصية أهم بائع جرائد و كتب فى مصر و الشرق الاوسط , واحد من اهم خمس مثقفين ناطقين بلغة الضاد .

صباح الخير يا عم عطية .

صباح الخير يا بشمهندس .

يتركنى عم عطية ابحث عن ما أريده " فى الفرشة " . اتناول الجرائد الأسبوعية و معها المجلات الشهرية . اتصفح إصدار لمجلة جديدة لعلى أشتريه . يقترب منا صبى القهوجى الذى يحضر الشاى لعم عطية .

شاى يا بشمهندس ؟

شكراً , الله يخليك .

دى مش عزومة ؟!

عارف صدقنى يا عم عطية . بس مش قادر , شكراً .

يميل الصبى على عم عطية و يخبره ان يوم الاحد القادم سيكون هناك مظاهرات . يجيبه عم عطية أنها كدبة أبريل و انه لن يحدث شىء مما سمعه . أتدخل فى الحديث و أؤكد كلام الصبى . أشرح أنها ليست مظاهرات بل أضراب تضامناً مع عمال المحلة . يهز عم عطية رأسه متفقاً مؤكداً على كلامى و يكمل : دول عالم ولاد كلب محدش حيعمل حاجة . و فى جرايد أبتدت الغلوشة و كتبت و نشرت أنها كدبة ابريل للتمويه على الناس علشان ميعرفوش أذا كان فى فعلاً و لا لأ . و أشار الى أحداهم . ضحكت و سئلت عم عطية : و أنت يا عم عطية مش حتعمل أضراب ؟ . أجابنى و هو حزين بطريقة لم أراها من قبل : أضراب عن أيه ؟ هو احنا بنشتغل و لا بنبيع , هو فى حد بيقرا , دا أنت يا بشمهندس اكتر واحد بيشترى . نظر الى يدى فى إمعان شديد و أكمل : و بكرة لما تتجوز مش حتشترى حاجة , الى يعوزه البيت يحرم على الجامع , انا شغال فى شغلانة بنت كلب ملهاش لازمة كلها كلام فارغ و كله بيضحك على كله , و الى بيتكتب ميسواش تمن الورق المطبوع عليه . حضرب عن أيه ؟ عن الكلام الفارغ ؟

اصمت تماماً احتراماً لغضبه . دفعت ثمن ما أشتريته و مشيت لأول الشارع . يمر بجانبى صبى القوهجى حاملاً الاكواب الفارغة , هو يصرخ بصوت عال : شاى , شاى يا بشر . ثم يعيدها بصوت منخفض : شاى , شاى يا بقر . اسمعها فى وضوح . التفت اليه فيرانى . يضحك و يغمز بعينه اليسرى و يمضى فى هدوء .

=======

ربنا يستر طريقك

اتمشى قليلا فى وسط البلد حتى أشعر بالتعب . اركب تاكسى عائداً الى المنزل . ينظر السائق الى المجلات و الجرائد فى يدى فيسئلنى : ممكن سؤال يا بيه ؟ . أتفضل .

ألا هو فى حاجة يوم الحد فى البلد ؟

فى أضراب عام !!!.

يصمت مستجمعاً شجاعته , ثم يسئلنى : يعنى , يعنى أيه أضراب ؟ و عاملينه ليه ؟

أجيبه بهدوء : أضراب يعنى تبطل تشتغل و تعلن احتجاجك على الأوضاع الى مش عاجباك . و ده الى مبتديه عمال المحلة أحتجاجاً على ضعف مرتباتهم و الناس هنا فى القاهرة عمال و موظفين و معارضة حيشاركوا فى الموضوع .

تمتم الرجل : و الله فكرة حلوة , الناس تعبانة فعلاً ... بس بدل فيها المعارضة يبقى فيها قلق . انا مش بستريح للناس دى . و حضرتك يا بيه عرفت الكلام ده منين ؟

من الجرايد ! .

بس الجرايد مش كاتبه الكلام ده !!! .

لأ , كتباه طبعاً , جرايد المعارضة بس الى كتباه , اكيد جرايد الحكومة مش حتكتب عنه طبعاً .

نقترب من الاشارة فيصمت الرجل . تتحرك السيارة من جديد فيكمل : يعنى منشتغلش خالص و مننزلش الشارع , طيب ما كده ممكن يبقى فى جزاءات على الناس و يخصمولهم .

لأ , لأن انت ليك واحد و عشرين يوم اجازة فى السنة و كمان دول حيعتصموا فى المصنع , لكن بتوع القاهرة حيمتنعوا عن النزول لشغلهم خالص .

حيعملوه يوم اجازة يعنى ؟ و الله فكرة كويسة , ما هم لازم يعرفوا أن أحنا تعبانين برضه . طيب يا بيه , متعرفش أزاى سواقين التاكس يعملوا أضراب ؟

سئلته : هم مين دول الى لازم يعرفوا أن أحنا تعبانين ؟ .

يتجاهل سؤالى و يكرر سؤاله : متعرفش قايلين سواقيين التاكس يعملوا أضراب أزاى ؟

فكرت أن أنصحه بالطريقة اليابانية بأن يضع لافتة سوداء مكتوب عليها " حداداً على الأسعار " فوق التاكسى , سئلته : هو انت بتفكر تعمل أضراب ؟

لأ , طبعاً أنا مش حمل اخد اجازة , أنا على اقساط و مصاريف , عندى ولد فى الجامعة و بنت فى الثانوى . مش حمل أجازة أنا .

خفت أشاركه بفكرة اللافتة حتى لا يتعرض للمضايقة من الشرطة يوم الاحد , استفسرت منه : هو انت مبتاخدش اجازات ؟

لأ , طبعاً باخد , ان لبدنك عليك حق , يوم الجمعة , بصحى متأخر , انت عارف ليه طبعاً . ضحك غامزاً و اكمل : بصلى الجمعة و أتغدى مع العيال و أمهم , انام ساعة و انزل و انا و رزقى . عارف يا بيه , مش المفروض ان الغلابة هم الى يعملوا اضراب . احنا مش ناقصين خصومات . عارف مين المفروض يعمل اضراب ؟ الحرامية . يا سلام لو يعملوا اضراب , يوم و لا أتنين كل شهر يبقى تمام قوى .

حنزل على جنب وحياتك يا اسطى .

يقف السائق على ناصية الشارع . انزل من السيارة و ادفع الاجرة . أشكره فيجيبنى : الشكر لله يا بيه , ربنا يستر طريقك .

=======

أحنا بتوع المشروم

أتوجه الى عم عزت بائع الخضار و أطلب منه كيلو طماطم و خيار و جزر و أثنين " كابوتشى " . يخبرنى أن الطماطم أرتفع سعرها الى 4 جنيه فأرد : دى غليت أوى كده ليه ؟ يجيبنى : كل حاجة بتغلى يا بيه فى البلد , و بعدين هو فى حاجة تغلى عليك برضه يا هندسة ؟ . يضع ما طلبته فى كيس بلاستيك و يسئلنى : مش عايز " بروكلى " و لا طبق " مشروم " ؟ . أجيبه بأن لا . يسئلنى مجدداً : يعنى مش عايزين " مشروم " ؟ . لأ مش محتاجينه . أزاى يا بيه ؟ دا أنتم بتوع المشروم كله . يبتسم كاشفاً عن أسنانه السوداء من فعل السجائر .

ملعونة الطبقة المتوسطة التى أنتمى إليها . ملعونة فى كل مكان , الطبقة الأعلى تتهمنا بأننا ولاد كلب متسلقين و عايزيين نشاركهم فى الحياة و نزاحمهم فى الدنيا , و الطبقة الأدنى تتهمنا بأننا " بتوع المشروم كله " . ملعونة الطبقة المتوسطة , ملعونة .

=======

أنت الى مضروب يا مضروب ( خيال واقعى )

يضع أبى زجاجات البيرة المثلجة على المنضدة بين كرسيه و كرسى عمى . يفتح واحدة و يصب ما بها فى الكوب المجاور لعمى الذى يأخذها من يده ليستمتع بالرغو الأبيض فى أعلى الكوب . يرشفه باستمتاع و يضحك مكملاً حديثه : الأسعار بيقولوا ولعت نار . السواق و انا جى بيشتيكلى . يهز أبى رأسه مؤكداً : فعلاً موضوع ظريف , أنا لاحظت الموضوع ده . كنت بجيب 2 كيلو الجمبرى مَزة مع الكونياك ب300 جنيه , دلوقتى الكيلو غلى و ال300 مبيجيبوش اكتر من كيلو و نص جمبرى , يلا علشان يموتوا و يخفوا شوية بلا قرف . يدخل الكلب من خارج الفيلا و يجلس عند قدمى أبى فيداعبه و يلقى اليه بقطعة جمبرى و يصرخ : انت يا حيوان فين أكل الكلب ؟ . يجرى الخادم مسرعاً لأحضاره فارتطم به اثناء دخولى . مرتدياً المايوه , اسلم على عمى و أكمل طريقى لأحضار زجاجات من البيرة , اسمعه يتسائل : هو أبنك عنده حفلة ولا أيه ؟ . يجيبه والدى و هو يقضم طرف السيجار و يقدم أخر لعمى : عنده حفلة هو و العيال صحابه على البيسين , عيال بنت كلب معندهاش احساس بالمسئولية , بدل ما يساعدوا اهاليهم , بيبعزقوا فى فلوسنا . يجيبه عمى : سيبهم ينبسطوا دا أحنا فى أيام غلا و ظروف مهببة , ان مكانوش ينبسطوا دلوقتى حينبسطوا أمتى ؟ . يأتى الخادم حاملا طبق الريش البتلو و يضعها امام الكلب . يسئلنى عمى و هو يلقى قطعة للكلب : معاك مُزة و لا عايش وحيد ؟ . أضحك و اجيبه : عيب عليك يا وحش . يسئلنى و هو يغمز بعينه : و اخبار صدرها أيه , تمام ؟ . اهز يداى بقوة و أضحك فيرد على ضحكتى : طيب ألعب تمام و أنبسط . يلتفت الى والدى و يسئله : عملتلى أيه فى حكاية الأستيراد دى ؟. أتركهما فى الريسيبشن و اخرج الى أصدقائى .

يجلس عرفة أو المثقف كما نطلق عليه , فى منتصف المسافة بين الباب و البيسين , امامه طاوله عليها طبق و بجواره " صباع من الحشيش " . أضع الزجاجات امامه و اخبره : يعنى مقلتلناش يا مثقف أن فى مظاهرات يوم الحد الجى , أسمعها من الشغالين و منعرفهاش منك . يرفع المثقف قطعة الحشيش و يقطع جزء منها بأسنانه و يضعه فى ورقة فويل و يبدأ فى التسخين تحتها مستعملا ولاعتى الزيبو . تنتشر رائحة الحشيش فى المكان فتقترب توتى و تجلس على قدمى و هى تغنى no woman no cry . يفرك الحشيش و يخلطه بتبغ السجائر . يضع البفرة و الفلتر و الخليط فى ماكينة لف السجائر التى أحضرتها نانسى من السويد هدية عيد ميلاده . يرفع الحشيش و يمدحه : حبيب قلبى , حياة عمرى . موجود غير مزروع . الدماغ الكامنة فى ذات نفسها . اوجده الله لكى يزيل الفوارق الطبقية بين الناس , الحشيش ده بيشربه الباشا و الغفير , الراجل و الست , الشاب و العجوز , العربى و الغربى . الصينى , التاياونى و الكندى و البدوى فى الصحراء , الحشيش هو موحد القطرين , صانع الامم , واهب الخير و السعادة و المزاج لمن يبحث عنهم . يعطى السيجارة لمحسن الجالس على الشازلونج يداعب شعر كوكى و يكمل المثقف : مفيش مظاهرات يا حمار انت و هو . فى حاجة أسمها إضراب علشان الأسعار غليت و الشعب عنده مشاكل مع الموضوع ده . تسئله كوكى : يعنى أيه أضراب ؟ . يجيبها محسن : يعنى منعملش حاجة خالص , نقعد كده و منعملش أى حاجة . تجيبه كوكى و هى تقبل صدره : يعنى مفيش سكس اليوم ده ؟ . يضحك و هو يسحب نفس عميق من السيجارة : لأ مفيش يا روحى . يخرج المثقف السيجارة التالية من ماكينة اللف و يعطيها لنونو و هو يكرر : الأضراب ده يا بهايم يا ولاد الكلب , مش لينا احنا , ده للبهايم التانيين , للعمال و الفلاحين و الصنايعية و السواقين , مش حيشتغلوا علشان معترضين على الدخل , يمكن الحكومة تحن عليهم و ترفع لهم مرتباتهم , و لا حتعملهم حاجة , بهايم .

تقبلنى توتى غيرة من قبلة كوكى و تتناول زجاجة بيرة من على المنضدة و تسئله : يعنى مش حيشتغلوا و يأخدوه اجازة اليوم ده ؟ . يفرك قطعة اخرى على شكل أسطوانة أستعداداً لعمل " خابور لدماغ الرجالة " و يجيبها : حاجة زى كده يا روح أمك . تهلل كوكى فى سعادة و تقول : خلاص , اليوم ده بدل اجازة و محدش حيشتغل , يبقى نعمل بارتى عندى , و نعمل زيهم , نلبس عمال و فلاحين و نعمل مضروبين زييهم , حفلة مضروبين خالص , هيييييه . ينظر اليها المثقف و يمد يده و يداعب صدرها : انت الى مضروب يا مضروب . تسعد جداً للمداعبة و تقبل محسن صديقها فى فمه و تكمل : و يبقى مفيش سكس اليوم ده و لا حشيش و لا بيرة , علشان نشاركهم و نبقى مضروبين زيهم تمام .

أنظر انا و محسن الى المثقف فى غباء . يسبه محسن : يعنى بروح أمك لازم تقول أفكارك المهببة دى , اهم شبتوا أهه !!!! . يجيبنا : مش انتم الى سئلتوا يا ولاد الكلب و لا انا جبت حاجة من عندى ؟ .

تنهض كوكى و هى تحرك يديها فى سعادة : خلاص يا حلوين , الحد الجى الحفلة عندى , " حفلة المضروبين ", لا سكس و لا بيرة و لا حشيش و لا رقص , مضروبين زيهم طول اليوم , خلاص اوكى ؟ . أمسكت بتليفونها الجوال و بدأت فى الأتصال بالجميع لدعوتهم الى الحفلة .

...........

تحبوا تيجوا و تشاركوا ؟ متخافوش , مش حيعملوا أى حاجة , دول حتى يا عينى مضربين عن كل حاجة .

=======