Sunday, September 30, 2012

جسر


عندما قرأت خبر تأسيس جماعة سلفية تهتم بالعلوم الحديثة وتطويرها من منظور اسلامى!، وان تلك الجماعة تسعى الى ان يكون جميع اعضائها من العلماء!!، أعدت قرأته عدة مرات.. البحث عن احياء الحضارة الاسلامية من رقادها كالعنقاء مازال عالق فى العقول. هو مجرد مضيعة للوقت وافساد للحياة. الحضارات لا تموت بل تنتقل من شكل الى اخر، ما بدأه الرومان واليونان، الموروث من الحضارة الفرعونية والبابلية، والذى اشتغل عليه العرب ، هو ما طوره الغرب باشكاله الحداثية الحالية، من فكر  وثقافة وعلوم واختراعات.

اذا كانت الطاقة لا تفنى ولا تستحدث ولا تنشأ من عدم، واذا كانت الحضارة هى طاقة البشر الذهنية والعضلية، هى ما انتجوه بعقلهم وقوتهم البدنية، فان الحضارة لا تموت بل تنتقل من صورة الى اخرى. ربما فيما يلى نحفر فى تاريخ المعرفة ونبحث عن اصل الخطاب لنستعيده من التاريخ ونستعيده الى الاذهان.. وحيث انى من اصحاب النظارات فأسمحوا لى أن احكى لكم قصتها..

فى القرن الخامس قبل الميلاد وجدت رسومات هيروغليفة تصور عدسات زجاجية بسيطة على جدران احد المعابد. كتب مُعلم الامبراطور نيرون " أن الحروف مهما كانت صغيرة او غير واضحة، يمكن ان ترى مكبرة وواضحة عن طريق كوب ملىء بالماء".. ويروى ان نيرون كان يرى مباريات المصارعين عن طريق زمردة خضراء كعدسة مكبرة، وفى بداية العصور الوسطى تطور الامر بألاديرة خصوصا حيث انتشر استعمال حجر القراءة كما اسموه وهو يشبه عدسة مكبرة تمر على النصوص المكتوبة لتوضيحها وخاصة لكبار السن ويعزى اختراعها وتطويرها لعباس بن فرناس الاندلسى بالقرن التاسع الميلادى.. ثم ظهر الحسن بن الهيثم مؤسس علم البصريات الحديث..

ولد الحسن بن الهيثم عالم البصريات والرياضيات العربى، سنة 965 ميلادية بالعراق. ودرس علم البصريات واثبت خطأ نظرية بطليموس فنفى ان الرؤية تتم بواسطة اشعة تنبعث من العين، بل نتيجة انكسار الضوء على الاجسام وسقوطها على العين ومن اشهر مؤلفاته "كتاب المناظر" الذى ترجم الى الايطالية بالقرن الثانى عشر والذى استفاد منه الايطاليون بعد ذلك فى تطوير العدسات. الحسن بن الهيثم هو اول من قام بتشريح العين ووضح اجزاءها بالرسوم واطلق عليها اسماء مازالت مستخدمة حتى الأن كالشبكية والقرنية والسائل المائى والسائل الزجاجى حتى ان بعض مصطلحاته قد نقلت كما هى دون ترجمة كلفظ القرنية cornea.. وكتب الراهب الفرنسيسكانى الانجليزى الاصل روجر بيكون العام 1268 مؤكدا كلام الهيثم عن طريق التجارب التى اجراها بأن الحروف من الممكن ان ترى افضل عن طريق العدسات.. 
ثم انتقل هذا الاختراع الى الرهبان الدومينيكان سبينا وجيوردانو..


"انه لم يمر اكثر من 20 عاما بعد على ظهور فن صناعة العوينات، التى صنعت من اجل رؤية افضل.. وانه لوقت قصير جدا على اكتشاف هذا الفن، الذى لم يكن موجودا من قبل وهو واحد من اهم الفنون التى تم اكتشافها ويحتاجها العالم.. لقد رأيت الرجل الذى اكتشفه ومارسه للمرة الاولى.. وقد تحدثت اليه"
جزء من خطاب الراهب الدومينيكانى جيوردانو دى بيزا – عام 1306..


وقد قام هذا الراهب بصك كلمة "اوتشيالى occhiale" والتى تعنى بالانجليزية "eyeglasses" اى العوينات كما تستخدم حتى الان . وقد انشئت بالبندقية اول نقابة لصناعة العوينات سنة 1300 وكانت تسمى نقابة عمال الكريستال. وفى القرن الثالث عشر ، قام الفيزيائى سالفينو ديجلى ارماتى بتطوير العوينات حيث قام بتصينع زوج من العوينات بحيث أن السمك والانحناء يمكنهما من تكبير الحروف والاشياء. وقد شهدت ايطاليا من وقتها اغلب عمليات تطوير وصناعة العوينات. 

النظارات الاولى التى تم تصويرها بالقرن الثالث عشر ، كانت عبارة عن عدستين محدبتين موضوعة باطار دائرى من الخشب او الجلد معلقة ومربوطة بواسطة مسمار، تلك التقنية كانت تستخدم بواسطة الرهبان النساخ. اختراع الطباعة ادى الى زيادة الطلب على النظارات، مما ادى الى تطويرها واستبدال التعليق الى وضع "جسر " بين العدستان، وهى الوصلة المعروفة حاليا، وكانت تصنع من الخشب او المعادن او الجلود او من الجلود او من احدى عظام الحيتان.. ومن القرن الخامس عشر  تم توفير نظارات بجسر دائرى صغير تربط بحبل حول الرأس او بسلسلة حول الاذن لمزيد من التثبيت. 


كانت مشكلة العوينات طوال 400 سنة منذ بدايتها انها لا تعلق على الوجه وكانت مجرد عدسات دائرية تمسك باليد ثم تطورت الى عدسات لها وصلة نحاسية من المنتصف تثبت على الانف. وتطورت اشكالها دون الذراعان الجانبيان التى تثبت بهما على الاذن بالشكل المعروف الحالى. حتى ظهر العالم الانجليزى ادوارد سكارليت ببدايات القرن الثامن عشر، والذى صنع اول نظارة بذراعين جانبيين تنتهى بحلقة دائرية معدنية. وكان يستخدمها ذلك الوقت النبلاء لانها تجنبهم حرج رفع الباروكة من على الرأس اثناء خلع الحبل او السلسلة الخاصة بالعوينات. ثم طورها سكارليت مرة اخرى واطال الذراعين وقام بتثنيها عند الاطراف كما وضعها الحالى. وقام الانجليزى جيمس ايزكوف باختراع اول نظارات ملونة  ولم يكن يقصد وقتها ان تكون نظارات شمسية بل كان يعتقد ان العدسات الخضراء او الزرقاء تصحح الابصار بطريقة افضل. وفى العام 1825 اخترع الفيزيائى جورج ايرى المصحح للأستجماتيزم..


أى انك عزيزى المواطن ، فى كل مرة تستيقظ من نومك وتبدأ يومك بأرتداء نظاراتك تذكر انك تسند فوق انفك وعلى اذنيك 4 حضارات متلاحقة ومتتالية استفادت من بعضها ولم تظهر اى جماعة منهم تنادى باحياء الحضارة الرومانية مثلا، ولم ولن يمحى اثر ابن الهيثم من تاريخ صناعة النظارات.. 


انبط بقى واهدا واعمل حاجة مفيدة.. 

No comments: