Monday, October 08, 2012

قرد ام سحلية؟


بالمترو، وفى سنوات الدراسة، كنت اقطع مسافة طويلة حتى الكلية. حوالى نصف ساعة او اكثر ذهابا ومثلها فى العودة. سرعة المترو وزمن التقاطر كان اقل بكثير. كان الوقت اطول والاهتزاز اقل مما يسمح بقراءة هادئة منتظمة.  كانت العربات اقل ازدحاما واكثر هدوءا، وفى اخر كل عربة كرسى قلاب بمفصلة، تفتحه وتجلس بمفردك دون ان تجاور احدهم.
يوم السبت كنت اشترى مجلة روزاليوسف. لم تكن ظهرت الجريدة وكان اسم عبد الله كمال وكرم جبر لا تراه الا نادرا. كان هناك فقط مقالات عادل حمودة وتحقيقات مثيرة اسبوعية. فى وسط المجلة. مجموعة اوراق صفراء تسمى روزاليوسف 2، تمثل الملحق. على هيئة مجلة صغيرة بداخل المجلة الرئيسية. وكان عادل حمودة ينوع من الملاحق، مرة سياسية ومرة اجتماعية، وادبية حتى جنسية. ومن ضمن أشهر الملاحق ملحق عن الجنس التجارى وتاريخ الدعارة وانواعها ولقاءات مع مومسات وحتى عن صناعة افلام ومجلات البورنو، واخر كان عرض ونقد رواية اولاد حارتنا للشيخ الكشك، واخر عن نصوص من الروايات والكتب الممنوعة، ونبذات وملخصات لأشهر الكتب السياسية العالمية. كان مجموعة الاوراق الصفراء او الملحق الصغير قيمة تستحق الاقتناء وكنت انزعها من قلب المجلة واحتفظ بها.
يوم الاحد كنت اقرأ اخبار الادب، الثلاثاء كانت تصدر مجلة تسمى البداية تصدر عن حزب الوفد وتوقفت بسرعة، مازالت احتفظ بأغلب اعدادها، كان هناك شهريا الهلال وكتابه ورواياته، وطبعا مجلة الكتب.. وجهات نظر  التى توقفت لأسباب غير مفهومة ودون سابق انذار، اما ما خسرته فعلا الثقافة المصرية فهى مجلة سطور التى ما زال يصدر كتابها دون انتظام. مجلة سطور كانت من اقوى المجلات الثقافية التى قرأتها والتى تحمل فكرا مختلفا، كان بالمناسبة من اشهر كتابها عزازى على عزازى محافظ الشرقية السابق الذى استقال مع مجىء الريس مرسى، توقفت بعد اعتذار رسمى نشر فى اخر عدد لها وطلبت يومها من البائع ان يقابلنى بمندوب المجلة. واتفقت على موعد وقابلت مندوب المجلة وتحصلت على الاعداد الاولى
حتى اكمل المجموعة التى لم تكتمل للأسف حيث توقف المندوب فجأة عن احضار ما تبقى من اعداد ولم نستطع الاتصال به مرة اخرى.. كل ذلك كان السبب الرئيسى لقراءتى للقرآن!!..
لا أعلم كيف ولكنها حقائق بسيطة.. دائما هناك وجوه تتكر ر ، هناك وجوه تراها كل يوم وانت فى طريقك الى نفس المكان. اخترت لنفسى العربة الاخيرة دائما. كان السير الى اخر عربة طويل من سلم النزول مما يضمن خلوها. المترو وقتها غير مزدحم بطبيعة الحال. اواسط التسعينيات، كان العربة الاخيرة ملاذ الحبيية وراغبى الهدوء. اهتزاز قليل وسرعة بطئية وجلسة مضمونة بمفردك. اجلس على الكرسى بمفردى وهكذا كان يفعل هذا الرجل المسن. على جانبى باب السائق، هناك كرسيين فقط وليس كباقى العربات 4 كراسى. كنت اجلس على احداهما وعلى الاخر يجلس كهل عجوز . كنت اقابله صدفة لكن متكررة. لاحظ العجوز انى اقضى الوقت فى القراءة حتى جاء رمضان ولم تتغير بطبيعة الحال قراءاتى. حتى يوم قابلت الرجل وبيده مصحف كبير  واعطانى اياه.
دا افيد .. احنا فى شهر كريم.. مش حيضرك لو قريت فيه.
شعرت بالارتباك وترددت فى أخذه وتمتمت بصوت خفيض: اصله يا حج .. انا... احم..  مسيحى!!.
وماله يا ابنى ما هو كلام ربنا.. أى حد يقراه ياخد بركته وحسنات علطول..
لا اعلم اذا كان حب القراءة ام الطمع فى الحسنات الموعودة هو ما جعلنى التقطه. وقفت، سلمت عليه وشكرت الرجل بكل ادب.. مازالت احتفظ بهذا المصحف حتى الأن.. ولأنى اجلس بمفردى فلم اجد حرج فى قرار  ان اتم القرآن فى الشهر الكريم كما يفعل المسلمون الملتزمون. وقد قرأت يوما ان الامام الشافعى، على ما اتذكر ، يتمه مرة كل يوم طوال الشهر الفضيل..
كنت اخفى المصحف فى الشنطة من زملائى سواء المسلميين او المسيحيين. من زملائى المسلميين حتى لا يظنوا انى امارس نقد للأسلام او ما شابه وانتم فاهمين بقى، وعن المسيحيين وخصوصا بتوع ركن الصليبيين لاعبى المنديل والنطة ومشبكة لأن القبطى منهم ممكن يطلع اشاعة عليك تتحول الى اوسخ محكمة تفتيش تنتهى برجمك وقد يؤرخها يوما رمسيس عوض.. ( أعتقد ان كل مسيحى او مسلم عارف المقصود بركن الصليبيين كويس وشافه وعارفه فى الكلية)..
وكمصرى اصيل يقرر بدايات عظيمة تنتهى بكسل لذيذ، اخذتنى الحمية وبدأت قراءة المصحف كل يوم فى المترو وبأنتظام سرعان ما فتر وتركته فى المنزل وانتقلت مرة اخرى الى  الهلال وبداية وسطور ولكنى اكملت قراءته بعدها على فترات حتى اتممته.. حكيت القصة بعفوية لمجموعة من الزملاء الذى فاجأنى احدهم بأن ما ارتكتبته من معاصى عظيم حتى ان اصغر معصية فيهم قادرة على محو حسنات كل ما قرأته من كلمات. اخبرنى زميلى بأنى لم اكن ابدأ القراءة بالاستعاذة بالله من الشيطان، ولم اكن ابسمل، وانى بطبيعة الحال غير متوضأ وخصوصا فى رمضان وطالبنى بالتوقف فورا عن القراءة "علشان ما اتسخطش قرد او سحلية" كما حصل وشاهد على النت، وامرنى بأحضار هذا المصحف واعطائه لأى مسلم يستفيد منه!!!!.. هل أقول أسقط فى يدى؟ لا اتذكر رد فعلى بوضوح غير  ارتباك شديد  ونظرات تحسر من المحيطيين!!. حاولت تغيير الموضوع بسرعة ولكن اصرار هذا الزميل على تذكرتى بالتحول الى سحلية اصابنى بالضيق وأثرت الانصراف وتركهم.. 
سؤال مازال يرن فى عقلى " لماذا يصر الله على تحويل الناس الى قرود او سحالى وليس الى كلاب او قطط او حتى الى سيد قشطة؟ ما هى العظة السحلاوية او العبرة الموجودة بالقرد وغير موجودة بالنمل او الابراص!!؟".. لم أجد اجابة ولم ابحث، كل ما أعرفه انى اتممت قراءة المصحف بعد ذلك، دون ان اصير، حتى الأن، مسند كنبة او  يعسوب طائر..