لقد قررت أن اكتب مرة أخرى
للأسف !!!
كتبت أولى رواياتي في مرحلة عمرية متقدمة
كنت متأثرا بما حولى من حب و رعاية أسرية و كنسية حيث كنا نتلقى المحبة بمشتقاتها فقط
لم نكن نعرف عن الشر شيئا بعد .
كانت أولى كتاباتي تحكى عن فتى اسمه حسين ( لم اعرف لماذا أسميته حسين و لم اسمه جرجس مثلا و لكنها الوحدة الوطنية تقريبا )
المهم هذا الفتى فقد مبلغ من المال و جلس يبكى فى الطريق فوجده رجل طيب من هؤلاء الرجال الذين لا تقابلهم ابدا فى حياتك!!! ,
وجده ذلك الرجل فآخذه الى القسم و حرر محضرا و كان الضابط متعاون ! فطلب من الصبى الانتظار
و ماهى الا دقائق معدودات و حضر رجل طيب اخر! حاملا مبلغ من المال قد وجده و اتضح انه المبلغ الذى فقده الصبي
اعاد الضابط المبلغ الى حسين الذى عاد الى منزله سعيدا شاكرا الرجلين الطيبين و الضابط الذى هو رمز العدالة و التضحية فى سبيل الشعب !!!!
طبعا لو كتبت الرواية ألان لكتبت ان رجل وجد فتى معه مبلغ من المال فقتله و اخذ المال , وجد الضابط هذا الرجل فعذبه هو و اهل بيته و اخذ المال منهم جميعا و أعطاه لاحدهم ليهرب به.
بعد ان كتبت تلك الملحمة الوطنية ذات الخمس أجزاء التي تبرز تحالف قوى الشعب العامل من عمال و فلاحين و شرطة , شعرت أنني أديت واجبى نحو الوطن و الساحة الأدبية و انه يجب على ان انسحب .و كان من ضمن الأسباب ,انه فى تلك الفترة ترشح كاتب اسمه نجيب محفوظ لجائزة تسمى نوبل و احتراما لفارق السن توقفت عن الكتابة حتى لا يفقد الجائزة .
كنت فى تلك المرحلة مرحلة التكوين اميل لقراءة كتب التراجم و السير الذاتية خاصة فى الادب العالمى و كنت اقرأ السير الذاتية الخاصة بميكى و بطوط و سمير و قد تأثرت بالصراع الايديولوجى القائم بين عم دهب بتوجهه الرأسمالى و عم بطوط الثورى بتوجه اليسارى و حفاظه على القيم و العادات و التقاليد فى تربية جيل المستقبل سوسو و لولو و توتو
كانت الحركة العلمية فى ذلك الوقت فى قمتها خاصة فى وجود عالمين مثل عبقرينو و بندق و كانت اولى قرأتى عن الفساد هى عن عصابة القناع الاسود الذى ينتهى بهم دائما الحال الى السجن عكس الفاسدون الحاليون الذى ينتهى بهم الحال الى الخارج .
ثم اتجهت بقراءاتي الى كتب الذخائر و التراث حيث بدأت فى اقتناء مجلدات تان تان و كابتن هادوك .
و كنت اشاهد تراث السينما العالمى كل جمعة فى سينما الاطفال .
الى ان هناك حدث قد جعلنى اعود الى الكتابة بعد ذلك التوقف .....
قام احدهم بطعن نجيب محفوظ لأنه كافر و السبب رواية " اولاد حارتنا " التى لم يقرأها الطاعن لسببين أولهما أنه آمي و الثاني أنها لم تنشر اساسا .
و نتيجة ذلك و لأنى ملتزم مهنيا و لأنه عيش و ملح و عشرة عمر فقد قررت ان املأ الفراغ الذى تركه محفوظ و ان اظل اكتب حتى يكتب له الشفاء و يعود الى الساحة الادبية فأنسحب فى هدوء تاركا له مكانه و قد اديت واجبى نحو أحد الزملاء .
كتبت بعد ذلك ملحمتى الثانية و هى تحكى عن يوميات طالب فى المدرسة . كانت حياتى بدأت تتغير خاصة بعد تغير قراءاتي التي اتجهت الى الأدب العربي و خاصة الاتجاه القومى العربى التقدمى الوحدوى المتمثل فى " الشياطين ال13 " و " رجل المستحيل "
و العلوم المستقبلية فى " ملف المستقبل " و الباراسيكولوجى فى " ما وراء الطبيعة "
كانت تلك القراءات هى بداية الطريق لل " الهسس " الذى اصابنى بعد ذلك
الا ان هناك سبب اخر جعلنى اتوقف عن الكتابة مرة ثانية
كنت وصلت للسن التى تبدأ بعض الشعيرات تظهر اسفل انفك و يبدأ اله الخصب و النماء يزورك فى أحلامك مصطحبا معه بعض الالهه مثل افروديت و فينوس و معهم بعض الشخصيات الانثوية الاخرى ( بعد ذلك بسنوات قرأت " ذات " لصنع الله إبراهيم فعرفت معنى الزيارات الليلية و أساليب البث!!! )
و بدأت هنا اهتماماتي الأدبية تختلف فقد بدأت فى قراءة المراجع الطبية و خاصة بعض أعداد طبيبك الخاص و تبدأ اهتماماتك السينمائية تختلف حيث الاهتمام بتاريخ السينما المصرية المتمثلة فى افلام السبعينيات و خاصة خالدة الذكر افلام" ناهد شريف " و تهتم بمشاهدة بعض افلام التراث مثل " حمام الملاطيلى " و " سيقان فى الوحل " و " ذئاب لا تأكل اللحم " و يتركز فى ذهنك بعض المشاهد مثل المشهد الخالد فى فيلم الكرنك... مشهد فرج و سعاد حسنى
المهم انها الفترة التى يتفاخر بك والدك امام اصدقائه مشيدا بكل تصرفاتك و تمسكك بالقيم والعادات و التقاليد قائلا " الواد بقى صايع و مبيسمعش الكلام "
فى تلك الفترة اتخذت اولى قراراتى مثل باقى زملائى ...ان اكون فاسدا فهى الفترة التى تكتشف فيها مضار التدخين و خاصة السجائر و الشيشة و تبدا فى تداول بعض العبارات الحكيمة و الكلمات المأثورة التى يذكر بها الام و الأب و تحمل معاني إنسانية خاصة جدا يصعب سردها فى هذا المقام لخصوصيتها الشديدة .
تلك الفترة التى يكون التهريب و النصب و الاحتيال هى اهم معالمها حيث تقوم بالنصب و الاحتيال لشراء السجائر و التهريب و خاصة تهريب الأفلام و أجهزة الفيديو حيث لم يكن الكمبيوتر منتشر بعد بقوة ( عندما شاهدت "فيلم ثقافى " بعد ذلك بسنوات تذكرت تلك الأيام )
المهم تنتهى تلك الفترة بمرحلة الإعداد للبطالة حيث الثانوية العامة التى قررت فيها ان احصل على لقب يدل على ان حامله سائق ميكروباص او سباك ...
لقب " بشمهندس "
انقطعت للمذاكرة حتى نجحت بمجموع كبير يدخلنى احد كليات القمة ... كلية الهندسة
فى تلك المرحلة بدأت اتحول التحول الاخير ...حيث تحولت الى دودة او فار كما يقال فقد صرت لا افعل شيئا الا القراءة حتى ورق الطعمية لم اتركه
قرات فى كل شىء و عن كل شىء و مع ذلك اصابنى ذلك المرض اللعين الذى يصيب جميع شباب مصر
" الهسس "
و "الهسس" فى الزمخشرى :هو نوع من انواع التأخر العقلى الذى يصيب الفرد نتيجة مناهج تعليمية معينة يمر بها فى حياته المدرسية و الجامعية
و من اهم اعراض هذا" الهسس " و يعرف ذلك جميع الشباب هو انك تظن انك أصبحت رجل و يجب ان تعتمد على ذاتك و ان مصريتنا وطنيتنا حماها الله لأنك ستصبح من صانعي المستقبل و ان الروح الوطنية تشتعل بداخل و انك أصبحت تؤمن بالقضية و ستبذل قصارى جهدك فى تخليصها مما هى به و انك لابد ان تحلف بسماها و بترابها لأنك ستجد بمجرد تخرجك عمل براتب جيد و شقة و بنت الحلال التى ستكمل مسيرة حياتك معها إلا إن بعد تخرجك تكتشف انك أصبحت عاطلا او فقيرا او مفلسا او تافها او معتقلا او ان بنت الحلال لم تكن بنت حلال و انها كانت صديقة ل" حسام ابو الفتوح ".
بدأ وعينا ينفتح على العمل السياسى و الفكر الحزبى و التحول الديموقراطي المزعوم و كانت قصص الهروب بأموال الشعب الى الخارج تملأ صفحات الجرائد و الفساد السياسي خاصة فى الحزب الحاكم و أحداث الإرهاب و الروح الطائفية التى اجتاحت مصر تجرح حميتنا
و كانت قد بدأت تعزز الروح الوطنية بداخلنا ...كنا بدأنا نشعر بواجبنا المقدس فى توعية الشعب كمثقفين لوقف نزيف العنف و الطائفية
لذا قررنا جميعا الهجرة الى الخارج و بحثنا كل الطرق حتى اهتدينا الى ال " لوترى الامريكى "
الا انه نتيجة حب مصر و المصريين و كافة شىء يغضب رب كريم قد بقيت فى بلدى
و تخرجت و اصبحت رسميا عاطل الا اننا عائلة يقال عنها انها مستورة و تعرف ناس مهمين
و كان والدى يعرف احدهم
و هذا الاحدهم هو الذى قام بتعينى فى شركة مقاولات هندسية ....
اى اننى اصبحت رسميا و برقم تأميني معترف به من الدولة من مؤيدى الواسطة و المحسوبية.
و هنا بدأت الكتابة للمرة الثالثة حيث بدأت اشعر بضغط و غليان فى رأسي و لم أجد متنفس غير الكتابة و حاولت نشر إحدى رواياتي الا انها تلك المحسوبية و الواسطة اللعينة !!!
اكتشفت انه لتنشر أعمالك لابد و ان تعرف أحدهم من دور النشر و للأسف والدي صديق الناس المهمين لا يعرف واحد من هؤلاء الاحدهم
لذلك فكرت فى التكنولوجيا و قمت بعمل " سايت " على النت نشرت به اعمالى
و ها أنا ذا حتى ألان أعاني من ذلك الهسس... لم أجد شقة لأني مفلس و لم أجد بنت الحلال لأني تافه ( مثقف سابقا !!! ) و الأصعب من ذلك انه يصبح يقال ما كنت أخشاه دائما " ذو ميول وطنية "
رحماك يا رب ....
لم يصبح أمامي إلا ان اصبح فاسدا و لكن المشكلة ان موروثي الثقافي عن الفساد ينحصر فى ما كانت تفعله عصابة القناع الأسود التى ينتهى امرها دائما بالسجن...و هو ما لا أريده طبعا !!!!
حتى فى فترة الانحراف المحورية التى مررت بها لم أتعلم ما يجب على لاكون فاسدا فوالدي للأسف رجل يقال عنها رجل شريف و قد سوأ البعض سمعته مدعيا بأنه قد احسن تربيتنا بدليل أن لديه مهندس و دكتورة من ذوى مكارم الأخلاق .....
يبدو اننى سأظل هكذا اعانى من " الهسس " حتى اصبح فاسدا أو اكتب حتى افقد عقلى تماما .....
No comments:
Post a Comment