
لأننا نعرف أن عكاشة لا يحب الهزار و لا يخلط الجد بالتهريج .. فانه لما أستوقفه الضابط فى الأشارة و سئله عن الرخصة لأنه كان مخالف مخالفة صريحة , أمسك الضابط بالرخصة و سئل عكاشة بغضب : و مين اللى طلعهالك و أنت ما تعرفش تسوق كده ؟ و لأن عكاشة كما قلنا لا يحب التهريج فقد أجاب الضابط بكل هدوء : امك .. كلمت امك و هى اللى طلعتلى الرخصة . انتهى الموقف كما هو واضح فى القسم , و لصالح عكاشة أيضاً , الذى أتصل بكبار المسئولين . أنهى مأمور القسم المحضر بالأعتذار لعكاشة عن ما بدر من الضابط !!! . و لما خرج عكاشة من القسم , صادف الضابط عند الباب . فسئله الضابط بغيظ شديد : واضح انك جامد , أتصلت بمين يا باشا علشان تخرج كده و أنت مخالف و تعديت على ضابط ؟ . و لأن عكاشة كما قلنا لا يخلط الجد بالهزل , فقد اجابه بكل هدوء : أمك برضه .. كلمتها , صِعب عليها انها بعد ما طلعتلى الرخصة , اتحبس .. فخرجتنى !!! .
--
لا أعلم صراحة لماذا تذكرت هذا الحادث و أعتبرته هو اهم حدث لهذا العام . فهو يمثل السلطة . سلطة تقهر اخرى . و سلطة تقبل الأنسحاق و الانقهار ( أذا جاز التعبير ) امام سلطة أعلى . القهر و السحق و الذل . ثنائية السحق \ الأنسحاق .. القهر \ الأنقهار .. الذل \ الأنذلال .
بدءاً من حريق مجلس الشورى مروراً بنهى رشدى وصولاً الى كارثة الدويقة و نهاية بالكساد الأقتصادى المقبل . كل حادث منهم يظهر ان هناك سلطة ما تمارس نفوذها على " المقهورين " , حتى لو كان المقهور هو من أصحاب سلطة سابقة .
نهى مارست سلطة ما على شاب كان يملك يوماً " سلطة على جسد الأنثى " . أنهيار الأسواق المالية , هو ممارسة لسلطة السوق و قهرها لسلطة ما كانت تسيطر على أسواق المال و الأعمال , هى " سلطة الفساد " . سلطة السوق \ المال قهرت سلطة الفساد التى كانت تتحكم يوماً ما فى السوق . الأيديولوجيات الكبرى انهارت امام حقائق صغيرة , حتى السلطة الدينية , انهارت تماماً . لم تعد المرجعية الدينية تستطيع تفسير حقائق الحياة , أضرابات العمال و بالأخص 6 ابريل انهت أحتكار نظرية " أرادة الله " السالبة للحريات و للحقوق التى كانت تتبناها السلطة الدينية لتفسير ما تفعله السلطة الأكبر . المؤمن البسيط الذى كان يرضى بالأنسحاق امام " قدرة الله " , السلطة الأعلى , طاعة و محبة و طلباً للغفران و للستر و الأمان , لم يعد يثق فى سلطته الدينية ( اذا سلمنا انه مازال يثق فى الله !! ) , لأنه لم يعد يجد المغفرة لأنها – السلطة - تُكَفر البسطاء ( راجع ما كُتب عن حادث الدويقة ) و لم يعد يجد الستر نتيجة للفساد و لم يعد يجد الأمان ( راجع ما يَحدث فى الأقسام ) .
نحن امام طوفان من السلطة و السلطة المضادة . يستطيع أمين شرطة او ضابط صغير أن يهينك و يتعامل معك على أنك " من ضمن زبالات البشر " و يحولك الى مادة للتندر و للتسلية . و يستطيع عسكرى صغير قادم من طرف أحد اللواءات بصحبتك الى احدى الأقسام لينهى لك معاملاتك , ان يهين و يهدد هذا الضابط أو الأمين بكارت صغير يخرجه من جيبه عليه أسم اللواء الذى هو واسطتك . حتى فى عالمنا الصغير , الأفتراضى , الفيس بووك و التدوين . جروبات الفيس البووك المتعارضة و المتضاربة و المختلفة فى كل شىء و التى تصفى حسابتها و أختلافتها بنظام الردح و فرش الملاية و تلقيح الكلام . التدوين أصبح ساحة فكرية قوية لمختلف التيارات و لكن لأننا أدمنا السلطة , فكل من يختلف معك تستطيع و بكل سهولة كما قال لى صديقى : أن ترزعه تدوينة تهزئه فيها و تسخر منه كمان . العمال المقهورين بالأضرابات التى انجزوها أصبح لديهم سلطة انزلت رئيس الوزراء و المؤسسة ( من المفترض انهم أصحاب السلطة الأعلى ) للتفاوض معهم . أسراء 16 سنة صاحبت دعوة 6 أبريل , حركت السلطة من مكانها خوفاً من حدث ما قد تسببه تلك الفتاة التى حتى لا تملك سلطة الخروج من البيت دون أذن والدها . أنتخاب أوباما بدلاً من المحافظين الجدد هو دليل على سلطة شعب مقهور يُرسَل أولاده لكى يموتوا فى العراق .
كارثة العبارة , الغرقى المصريين على السواحل الأيطالية , موتى الدويقة , حوادث التحرش الجماعى , , حذاء منتظر , انتهاك الأعراض فى الأقسام , قتل سوزان تميم , حرائق المصانع , أرتفاع الأسعار , وصول أوباما الى البيت الأبيض , سوق التعليم , أضرابات العمال , المؤسسة الدينية , حتى أنهيار الأسواق العالمى و الكساد الأقتصادى , لو حللت أى منها ستجد نفسك أمام ثنائية من السلطة و السلطة المضادة .
السلطة تقوم و تسقط . تكذب و تصدق , تختفى و تظهر . تنتقل من طبقة الى طبقة , من طبقة كانت تحكم الى طبقة كانت مقهورة . تتبدل من يد الى أخرى , من يد كانت تملكها الى يد أصبحت تملكها . يسيطر عليها ذويها و يتحكم فيها المحرومين منها . سلطة لم تعد دليل قوة و ستار فساد , بل تتهم الجلاد و تشير اليه و تُنصف الضحية ( تذكر عماد الكبير ) . تفضح الفاعل صاحب السلطة و تستر المفعول به المقهور . سلطة جاءت للبعض فأستغلوها بطريقة صحيحة و لأخرين أستغلوها بطريقة خطأ . السلطة تروح و تجيىء .. فلا أحد - في واقع الأمور- يمتلكها . و ستجيىء يوما فى يدك لعلك تجيد استخدامها !!! . سلطة ستجىء نتيجة كسر الطوق الذي تفرضه شبكة الإعلام المؤسسي ، وتسمية الأشياء بأسمائها، و ذكر من فعل ، و ما فعل، وتعيين المستهدف ، كل ذلك قلب أول للسلطة وخطوة أولى في طريق صراعات أخرى ضد السلطة .
أن عام 2008 هو عام اللعب بالسلطة بلا منازع . هو قيام سلطات جديدة و أنهيار أخرى قديمة راسخة .
--
أنهى عام 2008 بفقرة لفوكو عن " ماهية السلطة " :
لا نعرف ماهية السلطة !!!
مازلنا نجهل ماهية السلطة . أفلم ننتظر حتى القرن التاسع عشر لنعرف ماهية الاستغلال. ولكن لعلنا مازلنا لا نعرف بعد ماهية السلطة. ولعل ماركس و فرويد لا يكفيان لمساعدتنا في معرفة هذا الشيء المغرق في الإلغاز، هذا الشيء الذي نراه ولا نراه ، الظاهر الخفى، الذي يعترضنا حيثما ولينا وجهنا، والذي نسميه السلطة . فليست نظرية الدولة ولا التحليل التقليدي لأجهزة الدولة بقادرين - دونما شك - على استنفاد مجال ممارسة السلطة وعملها، وإنها لأشد ما يجهله الناس اليوم : فمن يمارس السلطة ؟ وأين يمارسها ؟ فقد صرنا اليوم نعرف على وجه التقريب من يستغل ، وأين يمضي الربح ، والأيدي التي يمرّ بها وأين يستثمر من جديد ، أما السلطة (...) فنحن نعلم حق العلم أن ليس الحكام هم الذين بيدهم السلطة . غير أن فكرة " الطبقة الحاكمة " فكرة غير واضحة تمام الوضوح ولا هي ممحصة غاية التمحيص . " فالسيطرة " و" التسيير " و" الحكم " و " المجموعة الحاكمة " و" جهاز الدولة " إلخ ... جملة من الأفكار تحتاج إلى التحليل . ثم إنه ينبغي أيضا أن نعرف إلى أي مدى يمكن ممارسة السلطة وما هي الوسائط في ذلك وأي المنظمات ، الدقيقة غالبا، في تراتبها، وفي رقابتها، وفي حراستها، وفي موانعها وفي ضغوطها تمارس السلطة. فالسلطة تمارس حيثما يكون ثمة سلطة. فلا أحد - في واقع الأمور- يمتلكها، ومع ذلك ، فهي تمارس دوما في اتجاه معين ، فيكون البعض من جانب ويكون البعض الآخر من الجانب الآخر، ولسنا نعلم من الذي بالتحديد يملك السلطة ولكننا نعلم من لا يملكها (...) .
وينتظم كل صراع حول مركز مخصوص من مراكز السلطة ( حول واحد من هذه المراكز الصغيرة التي لا يحصرها العد، والتي قد يكون الواحد منها قائدا صغيرا أو حارس عمارة، أو مدير سجن ، أو قاضيا، أو مسؤولا نقابيا، أو رئيس تحرير جريدة ). و لئن كان تعيين هذه المراكز، و فضحها، و الحديث عنها على رؤوس الملإ من باب الصراع ، فليس ذلك راجع إلى أنه لم يكن أحد على وعي بذلك ، بل أن مرد ذلك إلى أن تناول الحديث في هذا الموضوع ، وكسر الطوق الذي تفرضه شبكة الإعلام المؤسسي ، وتسمية الأشياء بأسمائها، وذكر من فعل ، وما فعل، وتعيين المستهدف ، كل ذلك قلب أول للسلطة وخطوة أولى في طريق صراعات أخرى ضد السلطة (...) فخطاب الصراع لا يقابله اللاشعور، ولكن يقابله الكتمان (...) إنك لتجد سلسلة كاملة من وجوه اللبس متصلة بالمخفي، وبالمكبوت ، وبغير المصرح به ، وهي وجوه تمكن من القيام بتحليل نفسي بخس لما ينبغي أن يكون موضوع صراع . إذ لعل إزاحة الحجاب عن الكتمان أعسر من الكشف عن اللاشعور .
فوكو
--
مر عام 2008 بطوفان من أستغلال السلطة , و ربنا يستر من عام 2009 , الذى أسموه قبل أن يبدأ بعام الكساد الأقتصادى .
--
مر عام و جاء عام جديد .
Happy New Year
و عام كساد أقتصادى سعيد .