--
النخبة
" شعارات فى مجال الفكر وخرابات فى أرض الواقع ! "
أحمد عبد الله رزة
-1-
ما هى النخبة ؟
النخبة او المثقفون ..
يصعُب تعريف كلمة المثقف او كلمة النخبة :
فالبعض يعرّفه على أنّه المتعلم الحاصل على شهادة جامعية أو عليا. والبعض الآخر يعرّفه بأنه المفكر المرتبط بقضايا عامة تتجاوز حدود تخصصه. وآخرون يقولون, بأنه المبدع في مجالات الأدب والفنون والعلوم. وهناك من يرى في المثقف واحداً من صفوة أو نخبة متعلمة ذات فعالية على المستوى الاجتماعي العام أو أنه صاحب الرؤية النقدية للمجتمع.
و لكن كل انسان هو " مثقف " لأنه يملك رؤية الى العالم و الثقافة ليست خاصية معينة لطبقة اجتماعية بعينها , فالثقافة ليست نشاط ذهنى فلا يوجد عمل يخلو من النشاط الذهنى و لا يوجد فكر بدون نشاط حركى او عضلى . فكل من يملك عقلاً يفكر هو " مثقف " ما .
لكن اذا عدنا الى محاولة التعريف : نستطيع ان نقول أن المثقف هو من " يملك القدرة على رفض الواقع، المثقف هو الذي لا يرضى بحاله حتّى يقوم بتغييرها، فإذا غيَّرها بدأ يحلم بمواصلة التغيير. فقط في لحظة الإبداع يكون المثقف راضياً * . وفي ما عداها، هو غير راضٍ ، رافض، قلق، متعطش إلى التغيير. و المثقف ليس هو الضليع في مجال معين بل هو المفكّر الذي يأخذ موقفاً شمولياً من المجتمع . المثقف يحسُّ إحساساً داخلياً بأنه هو (وحده!) المسئول عن الإصلاح، عن التغيير، عن إلغاء الغبن، عن تدمير الظلم، هو صاحب رسالة، وإذا لم يمارسها فإن وجوده يصبح زائداً، أو فائضاً، أو غير ضروري . ( الأنتليجنسيا ) , فحسب جرامشى : كل الناس مفكرون و لكن لا يمارس كل الناس مهنة " الفكر " فى المجتمع ..
اما عن انواع المثقفين فهناك المثقف التقليدى كالمعلم و رجل الدين و هناك المثقف العضوى و هو الذى يرتبط بمصالح طبقة معينة تسعى للسيطرة على المجتمع و هناك المثقف النبى و هو علي مثال سقراط وغيره من المفكرين المناضلين الذين يمارسون النقد الفكري والاجتماعي بشجاعة , وباستعداد للتضحية في سبيل حرية رأيهم , مثل الأنبياء الذين يتكلمون عن الحق والعدل دون اعتبار لمصلحتهم الذاتية أو لمصيرهم . ( هناك نوعين اخرين من المثقفين لا داعى للكلام عنهما و هما " المثقف المدجن و المثقف الموظف " !! )
-2-
" روح الرب عليّ .. لانه مسحني لابشر المساكين .. ارسلني لاشفي المنكسري القلوب .. لانادي للمأسورين بالاطلاق وللعمي بالبصر .. و اُرسل المنسحقين الى الحرية "
اشعياء النبى
-3-
" وجد كونفوشيوس مع تلاميذه عجوزاً تبكى على أحد القبور في القفار فأرسل إليها كونفوشيوس تلميذاً له يسألها عن سبب بكائها وحزنها فأجابته قائلة: إن والد زوجي قد فتك به نمر في هذا المكان, ثم ثنىّ النمر بزوجي, وها هو ذا ولدي قد لاقى المصير نفسه, ولما سألها عن سبب إصرارها على الإقامة في هذا المكان الخطر .. أجابته: ليس في هذا المكان حكومة ظالمة, فالتفت كونفوشيوس إلى طلابه وقال لهم: أي أبنائي, اذكروا قولها أن الحكومة الظالمة أشد وحشية من النمر .. "
-4-
المثقف و التغيير
يظل السؤال المعلق : هل المثقف قادر على التنوير من أجل تغيير المجتمع ؟
هناك ثالوثان مركبان .. دائماً هناك حالة تصادم بينهم :
الثالوث الأول : المثقف و التنوير و الجماهير او الطبقة الأجتماعية .
الثالوث الثانى : النظام و المعرفة و السلطة .
فهل يمتلك المثقف سلطة فى المجتمع ؟ و ما هو نوع هذه السلطة ؟ و كيف يستخدمها ؟ و اى مجتمع نتحدث عنه ؟
-5-
جسور
المجتمع المقصود هنا , هو المجتمع الذي يمر في مرحلة التحول التاريخي. ففي هذه الفترة الحرجة, بالضبط تتجلّى سلطة المثقف. فهو مطالب بتشكيل الوعي وضبطه للطليعة القائدة للتحول , لكونه منتجاً للمعرفة \ التنوير ..
و فى مجتمع مثل مصر يمر بكل ازماته و راغب فى التغيير و التحول تزيد أهمية المثقف او النخبة فى انتاج المعرفة \ التنوير كلٍ حسب طبقته الأجتماعية , فكل طبقة تفرز مثقفينها المرتبطين بقضايها و الذين يظهرون تلك القضايا فى كتاباتهم .. و لكن .....
يقول ميشيل فوكو :
" فالإنسان عندما يتوصل إلى المعرفة يستطيع أن يتحول إلى نوع من السلطة في مجتمعه. ويصبح الآخرون يهابونه ويحترمونه أكثر. بل ويستطيع أن يستغل معرفته أو شهرته لأغراض مادية إذا ما أراد. والإنسان الذي يمتلك السلطة يستطيع أن يجذب إليه كبار العلماء وان يستغل معرفتهم في ترسيخ سلطته إذا ما أراد."
لذا فأن العلاقة بين المثقف و السلطة علاقة مركبة تشبه الجسر :
جسر ذهبي: يلتقي عليه الحاكم والمثقف, إدراكاً منهما لطبيعة الأزمة التي تمرُّ بها الأمة.
جسر فضي: وذلك عندما يأخذ الحاكم , ببعض وصايا ونصائح المثقف دون بعضها الآخر أي بصورة أخرى: أن يقنع المثقف بما يريح ضميره, والحاكم بما يحقق مصالحه.
جسر خشبي: يعبر عليه المثقف, مطأطئ الرأس ليصبح عبداً حيث يستأنس الحاكم برأيه, دون أن يأخذ به و يضمن الحاكم للمثقف قدراً لا بأس به من الأمان الشخصي و المادى ..
و هناك حالة " الا-جسر " حيث يتخلص الحاكم من المثقف !! .
-6-
مصر

تتعمق الأزمة فى مصر تعمق شديد , فالمثقفين المصريين منقسمين بينهم يديرون الصراعات الداخلية من الخارج . فهناك اربع فئات من المثقفين المصريين يدار بينهم الصراع :
الفئة الأولى : و هى التيار اليسارى أى الذى يقبض من ليبيا و أمريكا ( حيث تقع ليبيا و الولايات المتحدة يسار مصر على الخريطة ) .
الفئة الثانية : و هى التيار اليمينى أى الذى يقبض من السعودية و قطر و إيران و " عراق صدام سابقا " ( حيث تقع هذه الدول يمين مصر على الخريطة ) .
الفئة الثالثة : و هى التيار الوسطى المعتدل ( الذى يقبض من الحكومة المصرية مباشرة حيث تقع مصر فى وسط الخريطة تماماً كما قال جمال حمدان ) .
الفئة الرابعة : النافخون فى الهباء الداروينى !! و هم قلة قليلة تسعى – حقيقة – لمصلحة تلك الدولة و لكنهم يتساقطون واحد تلو الأخر حتى انه لم يتبقى منهم أحد الأن .. تقريباً .
والفئات الأربع موزعين بتوجهاتهم و خلفياتهم و تشير دائماً بوصلاتهم الى مصادر التمويل مباشرة , فأنت عندما تسمع أسم احدهم , تستطيع ان تعرف – بكل بساطة – اذا كان يمينى او يسارى او وسطى معتدل او هبائى مجنون ينفخ فى " قربة مقطوعة " او " يؤذن فى مالطة " !!! .
فهل اذا عرفت الجماهير طبيعة المثقف و هدفه .. هل تسعى تلك الجماهير الى التنوير ؟
-7-
" لا يمكن أن نتحدث على السلطة باعتبارها ذلك الجهاز الذي يقبع على قمة المجتمع والذي يدعى الدولة أو السلطة السياسية العليا بل يجب أن نتحدث عن السلطة باعتبارها شبكة علاقة القوة المزروعة في كل جسد المجتمع والمنبثقة في كل مؤسساته وخلاياه . كعلاقة الأب بالأبناء , الأسرة بالأفراد , المدير بالمرؤسيين , المدرسة بالتلاميذ ... "
ميشيل فوكو
-8-
عملية التنوير عملية مركبة , فالجماهير لا تعقل و ترفض كل جديد و تسعى الى الثبات و الأستقرار . و السلطة تسعى دائماً الى دعم هذا الأستقرار و النظام دائماً يسعى الى بسط تلك السلطة . و المثقف دائماً ضد الأستقرار فهو يسعى دائماً الى التغيير . نحن امام حالة من الصدام المستمر , يستطيع أن يحلها التنوير الجماهيرى . و لكن الجماهير تخشى التغيير , فالمعرفة ضد الثبات لأنها متغيرة , و الجماهير تبحث عن الأستقرار الذى يؤمن لها ابسط احتياجتها , فهل توجد ايديولوجيا تستطيع ان تجمع المثقف و السلطة و الجماهير و تقودهم الى التغيير ؟
-9-
نهاية الأيديولوجيا و خصخصة المثقفين
نحن فى عصر انتهت فيه الأيديولوجيات الكبرى , فكما ارتكن القرن العشرين على ايديولوجيات القرن التاسع عشر و الثامن عشر كالماركسية و الليبرالية , فقد سقطت تلك الأيديولوجيات و انتهت و دُمرت على يد ثنائية الفكر و التطبيق . فالبعض يصرخ بأن انهيار الأتحاد السوفييتى هو نتجية خطأ فى التطبيق , و أن الأنهيار الأقتصادى هو نتيجة خطأ فى تطبيق السياسات الليبرالية و ليس خطأ فى الفكرة نفسها . حتى الدين هنالك خطأ ما فى تطبيقه كما يصرخ السلفيون ضد التجديديون , يبادلهم التجديديون نفس الصراخ بان هناك خطأ فى التطبيق . و يضيع التنوير بينهم , و تضيع الأيديولوجيات , و تنقسم الجماهير و تتفتت . يتركها النظام فى وسط هذا الأنقسام ليرسخ سلطته , يبحث المثقف عن وسائط اخرى للتغيير ,فلا يجد الا سياراته و فيلاته هى فقط التى يسعى الى تغييرها , متحالفاً فى ذلك مع سلطة النظام مستغلاً سلطة معرفته ماشياً على الجسر الخشبى رافعاً الرأس لا مطأطئها , الا من رحم ربى .
و يصبح المثقف " قطاع خاص " مجرد مروج لفكر و داعية لأفكار . و يستند المثقفون في دعواهم على قيم مطلقة من قبيل طلب " الحقيقة " والالتزام ب" الموضوعية" ، وبالطبع كل فكر يطلب مشروعية عامة بزعم تجسيد فصل الخطاب ، وكمال الحق، وكذلك كل إرشاد أخلاقي لا يصح إلا بقابلية تطبيقه على الجميع دون استثناء. فتجد من يطالب بحرية نشر المعلومات و اخر من يطالب بمنعها , و تغرق الجماهير كما اشرنا فى تدفق رهيب للمعلومات , فكل جماعة تسعى الى نشر المعرفة \ التنوير من وجهة نظرها عن طريق مثقفيها , و هذا التدفق يحتاج الى تدقيق و تثبت من صحة ما يصل اليها من معلومات وهى مسألة صعبة إن لم تكن شبه مستحيلة بالنسبة للجماهير و هنا يظهر دور المثقف كواجب عليه و كشخص افرزته طبقته ليقوم بتنويرها محاولة منه للتغيير , فيقوم المثقف " القطاع العام " المملوك لتلك الطبقة التى افرزته , بدلاً من تنويرها , يقوم بكل بساطة بخيانة تلك الطبقة و يصبح " مثقف قطاع خاص " ملك للنظام و يساعده بما يملكه من سلطة المعرفة فى ترسيخ الأستقرار لتثبيت سلطة هذا النظام .
فهل هناك أمل فى التغيير ؟
-10-
عمرو خالد و جيفارا
فى مصر .. صراحة لا أرى هناك أمل فى أنتظار " تنوير " قادم من مثقفين , و خاصة من الأنواع التى تكلمنا عليها سابقاً . فعمليات التضليل اصبحت مشتركة بين المثقفين و النظام , و من يظل هائماً على وجهه ضائعاً لا يعرف الحقيقة هى الجماهير التى اذا تحركت لا يكن فى حركتها الناتجة عن جهل الا " العنف و التعصب " كما اشرنا فى تدوينة سابقة .. و ما الحل ؟
لا يوجد حل الا فى عمرو خالد و جيفارا !!! ..
فمع اعلان موت الأنسان الجمعى و نهاية القطيع و سقوط الأيديولوجيات .. يتجه الأنسان الى " الفردية " .. فالانسان اصبح فى وسط هذا الضياع لا يبحث الا عن نفسه ,, يريد ان يشعر بأنسانيته .. بكمال طبيعته التى خُلق عليها و جمال الطبيعة التى خُلقت له .. و هو سبب نجاح عمرو خالد و سر عودة صور و أفكار جيفارا .. فعمرو خالد لا يدعو الى ثقافة القطيع .. بل يدعو كل شخص الى العمل ذاتياً فهو يضع دعوته فى شكل فردى انسانى .. يدعو كل أنسان الى أن يفعل شيئاً من ذاته لا فى قطيع , فعمرو خالد لا يتكلم فى رطانة ايديولوجية بل فى إنسانية بسيطة ( حتى لو اختلفت معه و فى انه يدس السم فى العسل ) و لكنه نجح فى أن يجعل الشباب يفعل شيئاً على العكس من الأحزاب و الحركات التنويرية التغيرية ( و على رأسهم حركة " كفاية " ) , فعمرو خالد جعل كل شاب يشعر بأنسانيته , بفرديته , بجمال الأنسانية و بجمال الكون و ان العالم جميل يستحق التغيير , و هى كلمات قد تكون مستوحاة من أفكار جيفارا الذى يدعو الى أن يثور كل شخص بنفسه , لا أن يتحرك فى قطيع ( و هو سبب عودة صور جيفارا ثورى الستينيات ) . فهل هناك قاسم مشترك بين ثورى ملحد و داعية ديني ؟
-11-
المشترك – فى رأيى – هى الأنسانية . نحن نحتاج الى أن نثور على انفسنا من اجل الأنسانية .
يقول غاندى :
" كن أنت التغيير الذى تريد ان تراه فى الأخرين "
مصر تحتاج الى المثقف االنبى .. اعمل فى جماعتك الصغيرة .. اسرتك .. ابدأ بنفسك . لا تنتظر غيرك .. لا تنتظر الجماهير فهى لن تتحرك و أن تحركت فهو العنف و التعصب .. لا تنتظر مثقفين يدعونك الى تنوير .. فلن يحدث من امثال هؤلاء و خاصة المنتشرين من ذوى الأصوات العالية فى مصر أى تنوير .. ابدأ بجماعتك الصغيرة .. فكل انسان يستطيع ان يقوم بالتغيير , يستطيع ان يكون التنوير و النور لأخرين من حوله " انتم ملح الأرض " , " انتم نور العالم " .. ففى وسط القطيع تضيع هويتك الفردية و الأنسانية .. كل انسان يحتاج الى أن يشعر بأهميته .. يريد ان يشعر بان له دور . بأنه مخلوق كامل و ليس " فرد فى قطيع " . أهرب من الأفكار الكبرى و الرطانة الأيديولوجية فقد انتهت . ابتعد عن الشعارات فقد اصبحت مثار سخرية . لماذا نجحت " نهى رشدى " فى فعل شىء و لم تنجح كل جمعيات المرأة فى فعل أى شىء ؟ .. لماذا نجح كارل ماركس فى نشر فكره و فشل كل الشيوعيين فى تطبيقه ؟ لماذا نجح غاندى و فشل الأحتلال فى الأستمرار ؟ هل نحتاج الى أمثلة اخرى ؟
فنظرية المثقف الكبير قد انهارت .. فأنت تستطيع ان تكون مثقفاً .. الجميع يفكر .. ابحث و نقب و أعرف .. اسئل و استشير .. و ستجد دائماً هناك من بدأ مثلك .. ستجد ثالث و رابع و خامس .. و ستظهر طبقة جديدة تلفظ كل قديم .. و تتخلص منه من أجل التغيير .. ستتكون نواة لطبيعة " ثقافية \ تنويرية جديدة " .. نحتاج الف نهى رشدى و الف غاندى .. فالأنسان البسيط يستحق ايضاً ان يستمتع بالحياة و منها حقه فى التغيير والتنوير .. و العالم جميل و الكون " مخلوق لأجل الأنسان " و من حق الأنسان سواء كان يملك او لا .. أن يستمتع بما خلقه الله لنا . فالعالم يستحق ان نسعى من اجله .. و
مصر .. تستحق أن نتغير جميعاً من أجل تنويرها و تقدمها .
---
لا يتبع
The end
------
* لحظة الإبداع يكون المثقف راضياً : يعلن بعض كبار المحللين ان الكتابة نوع من انواع العلاج النفسى .. و خاصة علاج القلق و التوتر الدائم و هما من امراض المثقفين !! ..