Monday, February 15, 2010

عالمنا الشرقى

خلال هذه الفترة من القرن الثامن عشر، كانت هناك أحداث هائلة تمر بها القارة الأوروبية وأمريكا:

العالِم المشهور "وات" يقوم بإستغلال البخار في الصناعة لأول مرة عام 1775م. الولايات المتحدة تعلن استقلالها عام 1776م. في نفس العام، يصدر كتاب أدم سميث "بحث في طبيعة وأسباب ثروة الأمم"، المعروف بالإسم المختصر "ثروة الأمم". جيبون، ينشر كتابه "انحلال وسقوط الإمبراطورية الرومانية". في عام 1778م، يموت جان جاك روسو. وينشر الفليسوف كانط كتابه "نقد العقل المحض" سنة 1781م. وفي نفس العام، تصدر مسرحية "اللصوص" لشيلر. وفي عام 1783م، ينجح لافوازيه في تحليل الماء. ويتم صهر الحديد وتشكيله بنجاح. في عام 1785م، أقيم أول مصنع نسيج في العالم بإستخدام البخار. وفي عام 1789م، هبت الثورة الفرنسية، واحتل الثوار سجن الباستيل. وتم اعلان حقوق الإنسان والمواطن. وظهر كتاب بنتام "مبادئ الأخلاق والتشريع". وفي عام 1790م، ظهر كتاب "نقد ملكة الحكم" للفليسوف كانط. في عام 1792م، ظهر كتاب فيشته عن "نقد الوحي بكل صوره". وفي عام 1793م، ظهر كتابه عن "اسهامات في الثورة الفرنسية". في نفس العام، تم اعدام لويس السادس عشر، واختراع آلة حلج الأقطان.
هذا ما كان يدور في العالم الغربي. فماذا كان يدور ياترى في عالمنا الشرقي. ولنأخذ مصر على سبيل المثال:

فقد كانت الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت تحتل مصر منذ عام 1798م. في نفس العام الذي جاءت فيه الحملة، خرج الجبرتي في 5 ديسمبر ليشاهد ما يفعله الفرنسيون لشق طرق حديثة في قلب العاصمة. فكتب لنا ما يلي:
"
فعلوا هذا الشغل الكبير والفعل العظيم في أقرب زمن. كانوا يستعينون في الأشغال وسرعة العمل بالآلات القريبة المأخذ السهلة التناول، المساعدة في العمل وقلة التكلفة. كانوا يجعلون بدل الغلقان والقصاع، عربات صغيرة. يداها الخشبيتان ممتدتان من الخلف، يملؤها الفاعل ترابا أو طينا أو حجارة من مقدمها بسهولة. بحيث تسع مقدار خمسة غلقان. ثم يقبض بيديه على خشبتيها المذكورتين، ويدفعها أمامه فتجري على عجلتها بأدنى مساعدة. إلى محل العمل. فيميلها بإحدى يديه، ويفرغ ما فيها من غير تعب ولا مشقة. كذلك لهم فؤوس محكمة الصنعة، متقنة الوضع. غالبا الصناع من جنسهم، لا يقطعون الأحجار والأخشاب إلا بالطرق الهندسية. على الزوايا القائمة والخطوط المستقيمة."
هكذا كانت تعيش مصر وباقى البلدان العربية، كما يقول كاتبنا الكبير المرحوم يحى حقي، في عالمها المقفل . إلى درجة أن عربة نقل صغيرة بعجلة أمامية واحدة، بدت للجبرتي كأنها معجزة شيطانية.
عندما ذهب الجبرتي في اليوم نفسه، إلى المجمع العلمي الفرنسي بالقاهرة، وشاهد مكتبته، وحضر بعض التجارب الكيميائية والفيزيائية، التي هي أشبه بألعاب السحر في السيرك، كتب لنا ما يلي:
"
من أغرب ما رأيته في ذلك المكان، أن بعض المقيمين به، أخذ زجاجة من الزجاجات الموضوع فيها بعض المياة المستخرجة. فصب منها شيئا في كأس. ثم صب عليها شيئا من زجاجة أخرى. فغلي الماءان، وصعد منهما دخان ملون، حتى إنقطع وجف ما في الكأس، وصار حجرا أصفر يابسا. أخذناه بأيدينا ونظرناه. ثم فعل كذلك بمياة أخرى. فجمد حجرا أزرق, وبأخرى، فجمد حجرا أحمر ياقوتيا...وأخذ مرة زجاجة فارغة مستطيلة، في مقدار الشبر، ضيقة الفم. فغمسها في ماء قراح. وأدخل معها أخرى على غير هيئتها. وأنزلهما في الماء. وأتى آخر بفتيلة مشتعلة. وقربها من فم الزجاجة. فخرج ما فيها من هواء محبوس، وفرقع بصوت هائل. وغير ذلك، من أمور كثيرة، وبراهين حكيمة. تتولد من اجتماع العناصر وملاقاة الطبائع."
ويقول الرافعي عن الحالة الإقتصادية: " لقد أهمل الولاة العثمانيون والبكوات المماليك، أمر الري وتوزيع المياة وإقامة القناطر والجسور وحفظ الأمن. فجفت الترع، وتلفت الأراضي، وتعطلت الزراعة، وفقد الأمن، وذهبت ثروة البلاد، وهاجر الكثير من سكان القطر إلى البلاد المجاورة. اضمحلت الصناعات والفنون، التي كانت تزدان بها في سالف العصور. وبدأت في الإضمحلال، بعد الفتح العثماني مباشرة. بسبب اضطراب الأحوال، وكثرة الفتن، وفقد الأمن، والإسراف في السلب والنهب. وكانت مصادرة أموال التجار، من أهم أسباب ركود الحركة التجارية. فاختفت رؤوس الأموال من أيدي الأهالي. وغلب عليهم الفقر. وصار الشعب إلى حالة محزنة من الضنك والفاقة."
وعن حالة المدارس، كتب على باشا مبارك : " أهمل أمر المدارس، وامتدت أيدي الأطماع إلى أوقافها. وتصرف فيها النظار على خلاف شروط وقفها. وامتنع الصرف على المدرسين والطلبة والخدمة. فأخذوا مفارقتها. وصار ذلك يزيد عاما بعد عام. حتي انقطع التدريس فيها بالكلية. وبيعت كتبها وانتهبت.
ثم أخذت تتشعب وتتخرب من عدم الإلتفات إلى عمارتها ومرمتها. فامتدت أيدي الناس والظلمة إلى بيع رخامها وأبوابها وشبابيكها. حتى آل بعض تلك المدارس الفخمة والمباني الجليلة، إلى زاوية صغيرة. تراها مغلقة في أغلب الأيام. وبعضها زال بالكلية وصار زريبة أو حوشا أو غير ذلك. و لله عاقبة الأمور."
---

و الأن, أيها الأخوان, المجتمعون فى هذا الصوان, من سالف العصر و الأوان .. نحن فى عام 2010

فى إنتظار تحليل جبرتى القرن الجديد .

1 comment:

فارس... ولكن....... بلا جواد said...

أخي الكريم لم أفهم بالضبط الهدف!! نعم سائت أحوالنا في القرن الثامن عشر ففي حين كانت اوربا صاعدة كنا نحن نضمحل. لكن كلمني عن أوربا القرن السادس عشر. عن أسباب الثورة الفرنسية. عن عصر الحروب الدينية. عن سيطرت الكنيسة في أوربا ومقاومتها لكل مظاهر الحضارة. في الوقت الذي كانت فيه حركة العلم والفن في أوجها في أراضينا. لا بل لنذهب أبعد من ذلك، لم تكن ألمانيا وفرنسا عرفتا أصلاً في حين كانت روما و أثينا في قمة العالم. ما وضع إيطاليا و اليونان الآن. بإختصار هذه دورة الحضارة. نعم، لقد لبثنا في قاعها أطول مما ينبغي لكن صدقني، سنقوم.


تحياتي