Sunday, August 20, 2006

غضب

غضب

لا اعرف ما الذي يجبره على تحمل كل تلك الإهانات

ما الذي يجعله يتحمل ؟؟؟

.............

عم حمزة و هو نفر من الأنفار الذين يعملون فى الموقع

كان المسئول عن " التخمير على المونة "

يمارس عمله فى صمت ...و سكون

كأي نفر محترف

السيجارة فى جانب فمه

يحركها يمينا و يسارا

يأخذ أنفاسه منها دون الحاجة الى استعمال يديه

يضع رملا فى غربال و يقوم بغربلته

فاصلا عنه الحصى

يحضر شيكارة من الأسمنت

قد يبدو للوهلة الأولى أنها خفيفة

فهو يرفعها من الأرض كمن يرفع ورقة

إلا إنها للعلم تزن 50 كيلوجراما

يضع الأسمنت على الرمل

يخلطه جيدا

يقوم بتوزيع الخليط على هيئة دائرة

و يضع بقلبها ماء

يتركه يتسرب من المنتصف الى الحواف

يقوم بخلط الكميات من الأسمنت و الرمل و الماء

حتى " تختمر "

فيضع كمية من الخميرة فى قصعة يحملها على كتفه

و يضعها بجوار البناءون و يحمل الفارغة

................

و عم حمزة كبير السن

اكبر من المهندس المسئول عن الموقع الذي أتدرب

تحت يده

و المهندس المسئول شاب فى الثلاثينات

يدخن بشراهة ,,, يتخاطب معهم بلغة كما يحلو له ان يسميها

لغة " الصنايعية "

فهو يسب و يلعن طوال الوقت

يستعمل أقذع الألفاظ

يهين الأنفار طوال الوقت

- انت يا حمزة يا ابن الكلب ........خلصت تخمير و لا لسه ,,,, و انت يا روح امك ضيعت ميزان الخيط ليه ,,,,,,,,,,,و انت يا ابن ... فين رصة الطوب و البراميل الحديد

هكذا طوال النهار حتى بدأت اشعر بالأسى تجاههم

و خاصة عم حمزة الذي تعجبت كثيرا عندما عرفت ان أجرته اليومية نصف اجره البناء

سألت كيف و عرفت

- اصل الى زى حمزة ده حيعيش و يموت نفر ....بيبقى فيه أنفار شطرا و حركة و مخها نظيف و هو بيسلم الخميرة للبناء بيبص بعينه ....يتعلم ازاى البنا بيملى بالمسطرين ...بيرص الطوب ...بيستعمل ميزان الخيط ...يمد ايده و يرص كام طوبة .... بعد خمس او ست سنين تلاقيه ترقى و اصبح بنا ....و فيه ناس خايبة كده زى الحمار الى اسمه حمزة ده ...حيفضل طول عمره يخمر على المونة و يسلم القصعة و يقف زى الحمار مستنى القصعة تفضى علشان يملى غيرها ...........يعنى من الاخر فى بنى ادم "بنا" و فيه بنى ادم يخدم على "البنا"

صمت و لم استطع الاجابة

كان عم حمزة هو تسلية مهندس الموقع

فهو عند مروره من امامه يقوم اما بركله على مؤخرته او ضربه على قفاه

او استعمال بعض أصابع اليد فى تعبيرات كوزموبوليتانية لا تحتاج الى تفسير

كنت أتعجب لصمت هذا الرجل

لماذا يصمت ؟

الا يشعر بالاهانة ؟

الا يغضب ؟

لماذا لا يثور ؟؟؟

ما معنى ان اكون ذليل للقمة العيش ؟

اليس العامل هو من يقول " الرزق على الله " ؟

كنت اشعر بالاختناق من تلك المعاملة

حتى انى تكلمت مع المهندس معربا عن استيائي

ضحك كثيرا و أعلن فى وضوح انهم "عالم بنت كلب" لا تستحق اهتمامي و ليثبت رأيه

نادى إحدى العمال و سأله

- عملت ايه يا روح امك امبارح ليلة الخميس ؟

- تمام يا بيه .... لا فياجرا و لا اى حاجة ...طبيعى يا باشا

- يعنى يا روح امك مختش ترامادول و لا اى حاجة

- و لا يا باشا ...طبيعى ....هو شوية الشوربة و حتة الكارع التمام و ضرب نار للصباح الباكر يا معلم

بدأ يشرح فى استمتاع و لذة تفاصيل التفاصيل مستعملا كل وسائل التعبير اللفظية ,, مستخدما كل قسمات وجهه و حركات جسده ليعبر عن ما حدث حتى بدأت اشعر بالنفور

و احمر وجهى خجلا

لأن ما يقال هو من أدق التفاصيل الحميمية التى لا ينبغي حكيها

نظر الى المهندس و ضحك و تركني لحيرتي فسألني العامل بكل وقاحة

- ايه رأيك فى يا بيه ؟

- مش مكسوف من نفسك و انتى بتحكى حاجة زى كده

- اتكسف من ايه... ده انا راجل .... هو فى راجل بيتكسف !!!!

تركته و جلست بجوار عم حمزة و جذبت أطراف حديث

- ازيك يا عم حمزة

- الحمد لله يا بيه

- عامل ايه ...

- الحمد لله يا بيه

- .مبسوط من الشغل

- الحمد لله يا بيه

- عندك عيال يا عم حمزة

- الحمد لله يا بيه

- عارف تعيشهم كويس ....فى حد فى مدرسة .... حد بيشتغل يساعدك

- الحمد لله يا بيه

لم افهم لماذا يجيب بكلمة واحدة ؟

لماذا يرفض ان يتكلم معى ؟

و هل هو فعلا خدام للبنا ؟

لا يجيد الا تخمير المونة و حمل القصعة و العودة بالفارغ

ألن يترقى يوما ليصبح "بنا" ؟

لماذا يرضى بحاله و لا يريد تغييره ؟

ما هى المتعة فى ان يتحمل الإهانات فى صمت ؟

كل مرة كنت ارى فيها عم حمزة يحمل الجاروف

كنت أتوقع ان ينهال علينا – انا و المهندس – بالضرب

صارخا فى وجهنا

" انا مش ابن كلب – انتم الى ولاد كلب – انا اكبر منكم لا زم تحترمونى - انا كبرت و عايز ابقى "بنا "

عايز ابقى " بنا "

عايز ابقى " بنا "

............................

اتى مهندس الموقع فى يوم

و هو صامت

كان يمر بأزمة شخصية و رفض ان يتكلم معي بخصوصها

كان يتابع العمل و يعطى أوامره فى صمت

حتى تسليته عم حمزة لم يعيره

اهتماما و لم يهينه كعادته

حتى الألفاظ التى يستخدمها لم يتفوه بها

لا احد فى الموقع يعلم ما به

الا ان الجميع كان يحترم ظروفه و لم يتكلم معه

الا عم حمزة

كان عم حمزة يعمل دائما فى صمت

الا انه فى هذا اليوم كان كثير التقصير

لا يراعى عمله

كان يتعمد استفزاز المهندس بكل الطرق

كان يمر من امامه ضاحكا او شامتا

يقذف رمل فى وجه

يحك الارض اثناء الخلط كمن يريد ان يلفت النظر

حتى اننى تاكدت من تصرفاته انه يسعى

لاشتعال الموقف كمن يسعى الى معركة

حتى حدث ما كنت اتوقعه

اشتعل عم حمزة غضبا فجأة

قذف الغربال من يده و حمل الجاروف

و اتجه الى المهندس رافعا الجاروف إلى اعلى

جريت متوقعا ان ينهال على المهندس بالضرب مستغلا ظروفه

حاولت ان ابعد عم حمزة بالنداء عليه الا انه تجاهلني

و ظل فى طريقه الى المهندس حاملا الجاروف كمن صمم على الانتقام

جريت حتى وصلت اليهم فبدا عم حمزة بالكلام بغضب و ثورة شديدة

- انت زعلان منى يا بيه ؟

- لأ .... يا روح امك ....بتسأل ليه ؟

- أصلك مشتمتنيش و لا ضربتني انهاردة !!!!!

.................................................................

1 comment:

saso said...

دة استعذاب ألم
ولا
محافظة علي لقمة العيش
متهيالي التانية اوقع.. بيخاف لو فقد مكانتة كمضحك الملك .. يفقد شغله
نفر او بنّا المهم انه عارف هوا تحت رحمة مين ويتصرف ع الاساس ده