Thursday, August 21, 2008

ذهنية الأرهاب

لا يتعلق الأمر أذاً لا بصدام حضارات و لا بصدام أديان , كما يتعدى بكثير الأسلام و أمريكا اللذين تجرى المحاولات لحصر النزاع فيهما لتوليد وهم مجابهة مرئية و وهم حلِّ بالقوة . صحيح ان فى الأمر تضاداً أساسياً , لكنه تضاد يبين , عبر طيف أمريكا ( التى ربما كانت المركز السطحى , و لكنها ليست بفردها , تجسيد العولمة ) و عبر طيف الأسلام ( الذى هو أيضاً , ليس تجسيد للأرهاب ) , أن العولمة المنتصرة تخوض صراعاً مع ذاتها .

و فى هذا المعنى يمكننا الحديث عن حرب عالمية , ليست الثالثة , بل الرابعة و هى الوحيدة العالمية حقاً , لأن رهانها هو العولمة بالذات . الحربان العالميتان الاوليان كانتا مطابقتين لصورة الحرب الكلاسيكية . الاولى أنهت تفوق اوروبا و العهد الكولونيالى . الثانية أنهت النازية . الثالثة , التى جرت بالفعل , تحت ستار حرب باردة و حرب رادعة , أنهت الشيوعية . و من حرب الى اخرى كنا نتقدم , كل مرة , خطوات أبعد فى الطريق الى نظام عالمى وحيد , و ها أن هذا الأخير و قد بلغ اليوم , منتهاه , يخوض صراعات مع القوى المضادة المنتشرة حيثما كان فى قلب العالمى نفسه , و فى كل التشنجات الراهنة . حرب كسرية لكل الخلايا , لكل الخصوصيات التى تتمرد فى هيئة اجسام ضدية . مجابهة , عصية على الأدراك المباشر بحيث انها تقتضى من حين الى حين , إنقاذ فكرة الحرب عبر مسرحات مشهدية من قبيل مسرحة حرب الخليج و حرب افغانستان اليوم . لأن الحرب العالمية الرابعة تجرى فى مكان أخر . إنها ما يقلق كل نظام عالمى , و كل سيطرة هيمنية – فلو كان الأسلام مسيطراً على العالم لنشط الأرهاب ضد الأسلام . ذلك ان العالم نفسه هو الذى يقاوم العولمة .

الأرهاب لا- اخلاقى . و حدث المركز العالمى للتجارة , هذا التحدى الرمزى , هو لا- أخلاقى , و يرد على عولمة هى الأخرى لا- أخلاقية . اذاً , فلنكن نحن أيضاً لا – أخلاقيين , و أذا أردنا ان نفهم شيئاً فلنذهب قليلاً الى ما – وراء الخير و الشر . و لنحاول , و قد قيض لنا أن نشهد حدثاً لا يتحدى الاخلاق و حسب , بل كل أشكال التأويل أيضاً , ان نمتلك فهماً للشر . جوهر المسألة يكمن هاهنا : فى التفسي الخاطىء كلياً الذى أنتجته الفلسفة الغربية , فلسفة الأنوار , لمسألة الخير و الشر . نحن نعتقد ان تقدم الخير أى أرتقاء بالقوة فى الميادين كافة ( العلوم  , التقنيات , الديموقراطية , حقوق الأنسان ) يتماشى مع هزيمة الشر و تقهقره . إذ يبدو ان احداً لم يدرك ان الخير و الشر يرتقيان بالقوة فى الوقت نفسه و وفق الحركة نفسها . و أنتصار أحدهما لا يؤدى الى زوال الأخر , بل العكس تماماً . غالباً ما ينظر الى الشر , من الناحية الميتافيزيقية , بوصفه هفوة طارئة , غير ان هذه المسلمة التى تشتق منها كل الأشكال الاثنينية فى الصراع بين الخير و الشر , هى مسلمة باطلة . الخير لا يقلل من حجم الشر , و الشر لا يقلل من حجم الخير : إن احداهما لا يختزل الأخر , و صلتهما لا فكاك منها . ففى الجوهر لا يقدر الخير أن يحبط الشر الا بتخليه عن كونه خيراً , لأنه , بأستئثاره بالحكر العالمى للقوة إنما يتسبب بشرارة لأشعال عنف موازٍ .

فى العالم التقليدى , كانت لا تزال هناك موازنة بين الخير و الشر , وفق علاقة جدلية تضمن على الرغم من تقلبات الظروف . توتر العالم الأخلاقى و توازنه – كما كانت المواجهة , خلال الحرب الباردة , بين القوتين العظميين تضمن توازن الرعب . إذاً لا تفوق لأحد على الأخر . و يختل هذا التوازن عند الشروع بتعميم كلى للخير ( هيمنة الايجابى على أى شكل من أشكال السلبية , أستبعاد الموت و كل قوة محتملة للعداء – انصار قيم الخير دائماً أبداً ) . عندئذ يختل التوازن و يصبح كأن الشر قد استعاد أستقلالية خفية , نامياً على نحو أسى , توسعى .

===

أسم الكتاب : ذهنية الأرهاب

مقال ل : جان بودريار

-- 

No comments: